ذِكْرُ اللهِ هُوَ رُوحُ الْعِبَادَةِ فِي الْإِسْلَامِ


((ذِكْرُ اللهِ هُوَ رُوحُ الْعِبَادَةِ فِي الْإِسْلَامِ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ مِنَ الْأُصُولِ الْأَصِيلَةِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ: الذِّكْرُ, وَهَذَا الْأَصْلُ غَفَلَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

فَيَنْبَغِي عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُحَرِّرَ هَذَا الْأَصْلَ, وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْإِصَابَةِ مِنْهُ بِسَهْمٍ كَبِيرٍ؛ لِأَنَّ أَثَرَهُ وَخَطَرَهُ، وَلِأَنَّ نَتِيجَتَهُ وَثَمَرَتَهُ كَبِيرَةٌ وَعَظِيمَةٌ فِي حَيَاةِ الْمُسْلِمِ، وَفِي آخِرَتِهِ.

إِنَّ الْحِكْمَةَ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ: هِيَ الْقِيَامُ بِعِبَادَةِ اللهِ؛ كَمَا قال -جَلَّ وَعَلَا-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56], أَيْ: لِتَكُونَ حَيَاتُهُمْ كُلُّهَا عِبَادَةً لِي؛ وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ الْمُتَحَتِّمَ عَلَيْهِمْ هُوَ أَلَّا تُغَادِرَ الْعِبَادَةُ شَيْئًا مِنْ حَيَاتِهِمْ إِلَّا وَشَمِلَتْهُ.

وَالذِّكْرُ هُوَ رُوحُ الْعِبَادَةِ وَمَعْنَاهَا وَمَبْنَاهَا, وَلَيْسَ لِلْعِبَادَةِ مَعْنًى وَلَا قِيمَةٌ إِذَا لَمْ تَكُنِ الْعِبَادَةُ ذِكْرًا للهِ.

وَشُمُولِيَّةُ الذِّكْرِ لِلْعِبَادَةِ كَشُمُولِيَّةِ الْعِبَادَةِ لِلْحَيَاةِ, وَتَعْلُو الْعِبَادَةُ وَيَزْدَادُ شَأْنُهَا بِقَدْرِ تَمَكُّنِ ذِكْرِ اللهِ مِنْ قَلْبِ الْعَابِدِ الْقَائِمِ بِهَا.

فَإِذَا كَانَتِ الْحَيَاةُ لِلْعِبَادَةِ؛ فَإِنَّ الْعِبَادَةَ مَا كَانَتْ إِلَّا لِلذِّكْرِ؛ إِذْ إنَّ جَمِيعَ الْأَعْمَالِ إِنَّمَا شُرِعَتْ؛ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى, وَالْمَقْصُودُ بِهَا: تَحْصِيلُ ذِكْرِ اللهِ، كَمَا قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14].

*وَالذِّكْرُ يَكُونُ بِاللِّسَانِ، وَالْقَلْبِ، وَالْجَوَارِحِ:

*وَالْمُرَادُ بِذِكْرِ اللِّسَانِ: الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى التَّسْبِيحِ، وَالتَّحْمِيدِ، وَالتَّمْجِيدِ.

*وَالذِّكْرُ بِالْقَلْبِ: التَّفْكُّرُ فِي أَدِلَّةِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ, وَفِي أَدِلَّةِ التَّكَالِيفِ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ حَتَّى يَطَّلِعَ عَلَى أَحْكَامِهَا، وَفِي أَسْرَارِ مَخْلُوقَاتِ اللهِ.

*وَالذِّكْرُ بِالْجَوَارِحِ: هُوَ أَنْ تَصِيرَ مُسْتَغْرِقَةً فِي الطَّاعَاتِ, وَمِنْ ثَمَّ سَمَّى اللهُ الصَّلَاةَ ذِكْرًا فَقَالَ: {فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9].

فَذِكْرُ اللهِ زَيَّنَ اللَّهُ بِهِ أَلْسِنَةَ الذَّاكِرِينَ كَمَا زَيَّنَ بِالنُّورِ أَبْصَارَ النَّاظِرِينَ، فَاللِّسَانُ الْغَافِلُ كَالْعَيْنِ الْعَمْيَاءِ, وَالْأُذُنِ الصَّمَّاءِ, وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ.

وَهُوَ -أَيِ: الذِّكْرُ- بَابُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ الْمَفْتُوحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ مَا لَمْ يُغْلِقْهُ الْعَبْدُ بِغَفْلَتِهِ.

وَبِالذِّكْرِ: يَصْرَعُ الْعَبْدُ الشَّيْطَانَ كَمَا يَصْرَعُ الشَّيْطَانُ أَهْلَ الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ.

قَالَ تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152].

وَقَالَ تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152].

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ((لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ, وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ, وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ, وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ)). وَالحَدِيثُ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي ((الصَّحِيحِ)) .

وَسَأَلَ أَعْرَابِيٌّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟

فَقَالَ: ((أَنْ تُفَارِقَ الدُّنْيَا وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ)) .

وَفِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُهُ: مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ)) .

وَفِي ((صَحِيحَيِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ))  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ العَظيمِ)).

وَفِي ((صَحِيحِ مُسْلِمٍ))  عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الْكَلامِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؟

إِنَّ أَحَبَّ الْكَلامِ إِلَى اللهِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ)).

إِنَّ الذِّكْرَ مِنْ أَيْسَرِ الْأُمُورِ، لَا يَحْتَاجُ إِلَى بَذْلِ مَالٍ, وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى كَبِيرِ مَجْهُودٍ.

 

المصدر:ذِكْرُ اللهِ فِي رَمَضَانَ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الرَّعِيلُ الْأَوَّلُ سَادَةُ الدُّنْيَا بِالْإِسْلَامِ
  مَعْرِفَةُ شُرُوطِ الْبَيْعِ وَثَمَرَاتُهَا
  مِنْ دُرُوسِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ: إِعْمَالُ الْعَقْلِ فِي تَوْثِيقِ النَّصِّ، ثُمَّ التَّصْدِيقُ وَالتَّسْلِيمُ
  ثَمَرَاتُ مُحَاسَبَةِ النَّفْسِ وَصُوَرٌ مِنْ مُحَاسَبَةِ السَّلَفِ أَنْفُسَهُمْ
  الدَّعْوَةُ إِلَى التَّوْحِيدِ دَعْوَةُ الْمُرْسَلِينَ أَجْمَعِينَ
  أَمْرُ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِالصِّدْقِ وَثَنَاؤُهُ عَلَى الصَّادِقِينَ
  المَوْعِظَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ : ((ثَمَرَاتُ ذِكْرِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-))
  فَضَائِلُ صِلَةِ الرَّحِمِ
  اثْبُتُوا -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- أَمَامَ هَذِهِ الْفِتَنِ
  تَفَاعُلُ الْمَخْلُوقَاتِ مَعَ الْقُرْآنِ الكريم
  الْإِسْلَامُ فِطْرَةُ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا
  جُمْلَةٌ مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ قَبْلَ وِلَادَتِهِ
  دِينٌ كَامِلٌ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي جَمِيعِ أَزْمِنَتِهِمْ
  جُمْلَةٌ مِنْ سُنَنِ الْعِيدِ
  بَيَانُ مَخَاطِرِ التَّدْخِينِ وَوُجُوهُ تَحْرِيمِهِ
  • شارك