رَدُّ الِاعْتِدَاءِ عَلَى السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ


 ((رَدُّ الِاعْتِدَاءِ عَلَى السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ))

لِمَاذَا يَطْعَنُ مَنْ يَطْعَنُ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ؟

إِنَّ كُلَّ مَا تَسْمَعُهُ مِنَ الطَّعْنِ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ, وَكُلُّ مَا تَسْمَعُهُ مِنَ الطَّعْنِ فِي الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَالسَّلَفِ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِلَى عَصْرِنَا هَذَا, كُلُّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ جَدِيدٍ؛ وَإِنَّمَا هِيَ رِمَمٌ لِأَجْسَادٍ جَيَّفَتْ فِي قُبُورِهَا!!

فَجَاءَ أَقْوَامٌ لَا يَقَعُونَ إِلَّا عَلَى الْقَذَرِ كَالذُّبَاب؛ فَاسْتَخْرَجُوا تِلْكَ الرِّمَمَ، وَأَرَادُوا أَنْ يَنْفُخُوا فِيهَا -بِزَعْمِهِمْ- الْحَيَاةَ مِنْ جَدِيدٍ، وَهَيهَاتَ هَيهَات!!

وَمَا مِنْ شُبْهَةٍ يُرَدِّدُهَا هَؤُلَاءِ إِلَّا وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهَا الْعُلَمَاءُ مِنْ قَدِيمٍ, فَإِنَّهُمْ لَمْ يَأتُوا بِشَيْءٍ سِوَى جِدَّةِ الْعَرْضِ؛ لِأَنَّهُم يَتَكَلَّمُونَ الْآنَ لِلْعَامَّةِ.

وَهَذِهِ الْأُمُورُ التِي مَرَّتْ مِنَ الشُّبُهَاتِ وَالرَّدِ عَلَيهَا كَانَتْ مَحصُورَةً فِي نِطَاقِهَا, وَلِذَلِكَ يَسْأَلُ السَّائِلُ بِحَقٍّ:

لِمَاذَا تُعْرَضُ هَذِهِ الشُّبُهَاتُ عَلَى الْعَامَّةِ؟!!

لِمَاذَا يَتَعَرَّضُ الشَّعْبُ لِلطَّعْنِ فِي عَقِيدَتِه، وَفِي مُسَلَّمَاتِهِ، وَفِي مُسْتَقَرَّاتِهِ الْعَقَدِيَّةِ وَالْعِلْمِيَّةِ وَالْعِبَادِيَّةِ؟!!

وَلِمَاذَا يُطْلَقُ هَؤُلَاءِ عَلَى تُرَاثِ الْأُمَّةِ الْمَرْحُومَةِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُزَيِّفُوهُ، وَأَنْ يَطْعَنُوا فِيهِ؛ لِكَيْ يُحَوِّلُوا الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَا يَستَطِيعُونَ الرَّدَّ عَلَى الشُّبْهَةِ بِاللِّسَانِ؛ إِلَى الرَّدِّ عَلَيْهَا بِالسِّلَاحِ وَالدِّمَاءِ؟!! لِمَاذَا؟!!

لِمَاذَا يُحَوِّلُونَ الشَّعْبَ الْمُسْلِمَ إِلَى شَعْبٍ مُتَطَرِّفٍ؟!!

لِأَنَّهُمْ يُهَاجِمُونَ ثَوابِتَهُ، وَيَعْتَدُونَ عَلَى عَقِيدَتِهِ بِغَيرِ مَا اسْتِحْقَاقٍ!!

فَأُقْسِمُ بِالَّذِي رَفَعَ السَّمَاءَ بِلَا عَمَدٍ!! إِنَّ التُّرَاثَ الَّذِي يُهَاجِمُونَهُ؛ لَا يَستَطِيعُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ أَنْ يَقْرَأَ مِنْهُ صَفْحَةً مِنْ غَيْرِ مَا عِدَّةِ عَشَرَاتٍ مِنَ الْأَخْطَاءِ!!

وَأَتَحَدَّاهُمْ!! وَسَآتِي بِصَفحَةٍ مَشْكُولَةٍ -قَدْ ضُبِطَتْ بِالشَّكْلِ-, وَأَتَحَدَّاهُمْ فِي مَلَإٍ عَلَنِيٍّ تَشْهَدُهُ الدُّنْيَا؛ أَنْ يَقْرَأَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ صَفْحَةً وَاحِدَةً مِنَ التُّرَاثِ الَّذِي يُهَاجِمُونَهُ هَؤُلَاءِ!!

مَنْ هَؤُلَاءِ؟!!

هَؤُلَاءِ كَالذُّبَابِ لَيْسَتْ لَهُمْ قِيمَةٌ!!

يَعْتَدُونَ عَلَى مُسَلَّمَاتِ الْأُمَّةِ، وَعَلَى عَقِيدَتِهَا؛ فَيَتَطَرَّفُ أَصْحَابُ الْغَيْرَةِ وَالْحَمَاسَةِ مِنْ هَذَا الشَّبَابِ الْمُسْلِمِ, الَّذِي يَجِدُ هَذَا الِاعْتِدَاءَ الصَّارِخَ عَلَى عَقِيدَتِهِ، وَتُرَاثِهِ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، وَأَصْحَابِ رَسُولِهِ ﷺ، وَعَلَى الْأَئمَّةِ؛ بِبِذَاءَةٍ، وَحَقَارَةٍ مِنْ أَقْوَامٍ لَا قِيمَةَ لَهُمْ، وَلَا وَزْنَ!!

وَمَعْلُومٌ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ فِي الدُّنيَا كُلِّهَا أَنَّ مَنْ تَصَدَّى لِنَقْدِ عِلْمٍ مِنَ الْعُلُومِ؛ يَنْبَغِي أَنْ يَمْتَلِكَ أَدَواتِ النَّقْدِ, وَأَنْ يَحُوزَ تِلْكَ الْأَدَوَاتِ حِيَازَةً صَحِيحَةً؛ فَإِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ لَا يَسْتَطِيعُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ أَنْ يُعْرِبَ جُمْلَةً وَاضِحَةً فِي إِعْرَابِهَا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَفْهَمَهَا!!

مَاذَا يَفْهَمُ هَؤُلَاءِ فِي لُغَةِ التُّرَاثِ الَّذِي يَنْقُدُونَهُ -بَلْ هُمْ لَا يَنْقُدُونَهُ؛ هُمْ يَنْسِفُونَهُ؟!!

*سَلُوا عُلَمَاءَ أَهْلِ السُّنَّةِ عَنْ مَعَانِي أَحَادِيثِ النَّبِيِّ ﷺ!

عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ((إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ؛ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ)).

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((وَقَوْلُهُ ﷺ: ((إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ)): هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَنَاقِبِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ؛ فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ خَيْرُ خَلْقِ اللهِ، فَوَرَثَتُهُمْ خَيْرُ الْخَلْقِ بَعْدَهُمْ، وَلَمَّا كَانَ كُلُّ مَوْرُوثٍ يَنْتَقِلُ مِيرَاثُهُ إِلَى وَرَثَتِهِ، إِذْ هُمُ الَّذِينَ يَقُومُونَ مَقَامَهُ مِنْ بَعْدِهِ، لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الرُّسُلِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمْ فِي تَبْلِيغِ مَا أُرْسِلُوا بِهِ إِلَّا الْعُلَمَاءُ، كَانُوا أَحَقَّ النَّاسِ بِمِيرَاثِهِمْ.

وَفِي هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُمْ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِ؛ فَإِنَّ الْمِيرَاثَ إِنَّمَا يَكُونُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إِلَى الْمَوْرُوثِ، وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ ثَابِتٌ فِي مِيرَاثِ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، فَكَذَلِكَ هُوَ فِي مِيرَاثِ النُّبُوَّةِ، وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ.

وَفِيهِ -أَيْضًا- إِرْشَادٌ وَأَمْرٌ لِلْأُمَّةِ بِطَاعَتِهِمْ، وَاحْتِرَامِهِمْ، وَتَعْزِيرِهِمْ، وَتَوْقِيرِهِمْ، وَإِجْلَالِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ وَرَثَةُ مَنْ هَذِهِ بَعْضُ حُقُوقِهِمْ عَلَى الْأُمَّةِ، وَخُلَفَاؤُهُمْ فِيهِمْ.

وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مَحَبَّتَهُمْ مِنَ الدِّينِ، وَبُغْضَهُمْ مُنَافٍ لِلدِّينِ، كَمَا هُوَ ثَابِتٌ لِمَوْرُوثِهِمْ.

وَكَذَلِكَ مُعَادَاتُهُمْ وَمُحَارَبَتُهُمْ، مُعَادَاةٌ وَمُحَارَبَةٌ للهِ كَمَا هُوَ فِي مَوْرُوثِهِمْ.

فَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ جَاهِلٌ ثُمَّ يَصْبِرُ عَلَى جَهْلِهِ، وَالْجَهْلُ أَشَدُّ فَتْكًا مِنَ السَّرَطَانِ بِالْبَدَنِ، وَهُوَ لَوْ عَلِمَ بِجَسَدِهِ عِلَّة مَا صَبِرَ وَلَا لَحْظَةً، وَإِنَّمَا يَبْحَثُ عَنِ الشِّفَاءِ!!

وَأَمَّا الْجَهْلُ.. وَالْجَهْلُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ دَاءٌ كَمَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ ﷺ: ((أَلَا إِنَّ شِفَاءَ الْعِيِّ السُّؤُالُ)).

وَالْعِيُّ هَاهُنَا: الْجَهْلُ، فَجَعَلَهُ دَاءً، وَجَعَلَ سُؤَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ دَوَاءً.

فَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ جَاهِلٌ وَيَصْبِرُ عَلَى جَهْلِهِ، وَلَا يَطْلُبُ الْعِلْمَ الَّذِي يُصَحِّحُ بِهِ عَقِيدَتَهُ، وَيُصَحِّحُ بِهِ عِبَادَتَهُ، وَيُصَحِّحُ بِهِ مُعَامَلَتَهُ.

فَعَيْبٌ كَبِيرٌ عَلَى مَنْ آتَاهُ اللهُ تَعَالَى عَقْلًا أَنْ يَرْضَى بِالْجَهْلِ صِفَةً، وَبِالْجَاهِلِينَ أَوْلِيَاءَ وَرُفَقَاءَ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَنْسَلِخَ مِنْ تِلْكَ الْحَالِ، وَأَنْ يَتَّقِيَ اللهَ رَبَّهُ، وَأَنْ يُقْبِلَ عَلَى مَجَالِسِ الْعِلْمِ، وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْعِلْمَ:

الْعِلْمَ قَالَ اللهُ.. قَالَ رَسُولُهُ.. قَالَ الصَّحَابَةُ.. لَيْسَ بِالتَّمْوِيهِ

مَا الْعِلْمُ نَصْبَكَ لِلْخِلَافِ سَفَاهَةً بَيْنَ الرَّسُولِ وَبَيْنَ قَوْلِ فَقِيهِ

فَيُقْبِلُ عَلَى تَعَلُّمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَيَفْهَمُهُمَا بِفَهْمِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ، فَفِي ذَلِكَ النَّجَاةُ، وَفِي ذَلِكَ السَّعَادَةُ، وَفِي ذَلِكَ الْخُرُوجُ مِنَ اللَّعْنَةِ، وَإِلَّا فَإِنَّ اللَّعْنَةَ نَازِلَةٌ بِسَاحَتِهِ، شَامِلَةٌ لَهُ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلَّا ذِكْرَ اللهِ، وَمَا وَالَاهُ، وَعَالِمًا وَمُتَعَلِّمًا».

 

المصدر:فَهْمُ مَقَاصِدِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَصَلَاحِيَتُهَا لِكُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مِنْ مَعَالِمِ الْبِرِّ بِالْأَوْطَانِ: الدِّفَاعُ عَنْهُ وَالْحِفَاظُ عَلَيْهِ
  فَضْلُ مِصْرَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَأَعْلَامُهَا
  التَّحْذِيرُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى
  الْكَذِبُ جِمَاعُ كُلِّ شَرٍّ وَأَصْلُ كُلِّ ذَمٍّ
  مِنْ سُبُلِ بِنَاءِ الْأُمَّةِ: الْعَمَلُ الْجَادُّ
  اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- هُوَ الْحَلِيمُ الْوَدُودُ
  الْمُقَارَنَةُ بَيْنَ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَالْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ
  مُرَاعَاةُ الْمَصْلَحَةِ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ سَبِيلٌ لِوَحْدَتِهَا
  الزَّوَاجُ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-
  الْوَفَاءُ بِالْعُقُودِ وَالْعُهُودِ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ
  عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ
  مُحَاسَبَةُ النَّفْسِ دَوَاءُ الْقَلْبِ الْمَرِيضِ وَالنَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ
  مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ: إِصْلَاحُ النَّفْسِ
  فَوَائِدُ وَدُرَرُ الدَّوْرَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ -دَوْرَةِ الْإِمَامِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ- لِلْعَلَّامَةِ رَسْلَان -حَفِظَهُ اللهُ- شَرْحُ عُمْدَةِ الْأَحْكَامِ
  فَضْلُ شَهْرِ اللهِ الْمُحَرَّمِ
  • شارك