نَمَاذِجُ مِنْ قَضَاءِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- حَوَائِجَ الْمُحْتَاجِينَ


((نَمَاذِجُ مِنْ قَضَاءِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- حَوَائِجَ الْمُحْتَاجِينَ))

فَإِنَّ أُمَّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- لَمَّا خَرَجَتْ عَلَى بَعِيرٍ وَمَعَهَا وَلَدُهَا فِي حِجْرِهَا وَلَيْسَ لَهَا مِنْ حِمَايَةٍ إِلَّا حِمَايَةُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحْدَهُ، وَلَقِيَهَا عِنْدَ (التَّنْعِيمِ) -وَهُوَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ الْآنَ لِكُلِّ مَنْ حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ عَلَى بُعْدِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ بَلَدِ اللهِ الْحَرَامِ- لَقِيَهَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- -وَكَانَ مُشْرِكًا لَمْ يُسْلِمْ بَعْدُ- لَقِيَهَا؛ فَقَالَ: إِلَى أَيْنَ يَا بِنْتَ زَادِ الرَّاكِبِ؟

فَقَالَتْ: خَرَجْتُ مُهَاجِرَةً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ﷺ.

فَقَالَ: وَمِثْلُكِ تَخْرُجُ وَحْدَهَا.

فَصَحِبَهَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، حَتَّى إِذَا مَا كَانَتْ هُنَاكَ عِنْدَ قُبَاءٍ بِقَرْيَتِهَا؛ قَالَ: إِنَّ زَوْجَكِ بِهَذِهِ الْقَرْيَةِ، فَدُونَكِ، ثُمَّ عَادَ رَاجِعًا إِلَى مَكَّةَ الْمُكَرَّمَة -زَادَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ كَرَمًا وَتَشْرِيفًا-.

وَانْظُرْ إِلَى مَوْقِفٍ آخَرَ؛ مَوْقِفُ امْرَأَةٍ لَا مَوْقِفُ رَجُلٍ، وَلَكِنَّهَا بِمِلْءِ الْأَرْضِ رِجَالٌ مِنْ أَشْبَاهِ الرِّجَالِ وَلَا رِجَالٌ!!

انْظُرْ إِلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-؛ لَمَّا أَنْ جَاءَ إِلَيْهَا أَبُو جَهْلٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَبَعْدَ أَنْ مَرَّ النَّبِيُّ ﷺ بِسَلَامٍ، لَمَّا خَرَجَ فَأَخَذَ التُّرَابَ، وَقَدْ أَلْقَى اللهُ عَلَى الْقَوْمِ النَّوْمَ، فَوَضَعَ التُّرَابَ عَلَى الرُّؤُوسِ، يَقُولُ: «شَاهَتِ الْوُجُوهُ! شَاهَتِ الْوُجُوهُ!»، وَمَرَّ سَالِمًا غَانِمًا ﷺ.

فَلَمَّا عَلِمُوا بِصُبْحٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ قَدْ مَرَّ إِلَى غَارِ ثَوْرٍ ﷺ، وَآوَاهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ إِلَى كَنَفٍ مَكِينٍ، وَظِلٍّ ظَلِيلٍ، وَوَاحةٍ آمِنَةٍ مُطْمَئِنَّةٍ، وَإِنْ كَانَتْ فِي جَبَلٍ جَهْمٍ ذِي حِجَارَةٍ وَأَحْجَارٍ بَادِيَةِ الْأَسْنَانِ كَأَنْيَابِ الْغُولِ، وَالنَّبِيُّ ﷺ فِي أَعْلَى الْقِمَّةِ -كَمَا هُوَ دَائِمًا وَكَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ-.

وَنَزَلَ النَّبِيُّ الْغَارَ وَمَعَهُ صَاحِبُهُ، وَأَفْلَتَ النَّبِيُّ ﷺ وَمَعَهُ صَاحِبُهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَجَاءَ أَبُو جَهْلٍ -وَكَانَ خَبِيثًا فَاحِشًا كَمَا تَقُولُ أَسْمَاءُ-؛ فَقَالَ: يَا ابْنَةَ أَبِي بَكْرٍ أَيْنَ ذَهَبَ أَبُوكِ؟

قَالَتْ: لَا أَدْرِي أَيْنَ هُوَ!! -وَكَانَتْ مُحِقَّةً صَادِقَةً -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا--.

فَلَطَمَهَا لَطْمَةً أَطَاحَ مِنْهَا -أَيْ مِنَ اللَّطْمَةِ- بِقُرْطِهَا -أَلَا شُلَّتْ يَمِينُهُ، وَقَدْ شُلَّتْ، وَأَلَا شَاهَ وَجْهُهُ، وَقَدْ شَاهَ-، أَلَا لَعَنَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ جَمِيعَ مَا فِيهِ وَلَا رَحِمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِيهِ مَغْرِزَ إِبْرَةٍ، وَقَدْ فَعَلَ رَبُّكَ، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ-.

فَلَمَّا جَاءَ أَبُو قُحَافَةَ -جَدُّهَا لِأَبِيهَا-؛ فَقَالَ: عَلِمْتُ أَنَّ أَبَاكِ قَدْ ذَهَبَ مَعَ مُحَمَّدٍ وَمَا أُرَاهُ إِلَّا قَدْ فَزعَكُمْ بِمَالِهِ كَمَا قَدْ فَزَعَكُمْ بِنَفْسِهِ -يَعْنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ أَخَذَ الْمَالَ جَمِيعًا وَذَهَبَ مُهَاجِرًا مَعَ مُحَمَّدٍ ﷺ.

فَعَمَدَتْ -وَكَانَ قَدْ كُفَّ بَصَرُهُ- إِلَى كُوَّةٍ هُنَاكَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ يَضَعُ فِيهِ مَالَهُ، فَوَضَعَتْ فِيهَا حِجَارَةً لَطِيفَةً، وَأَتَتْ بِكِسَاءٍ فَوَضَعَتْهُ فَوْقَ الْحِجَارَةِ، وَأَخَذَتْ بِيَدِ جَدِّهَا تَمُرُّ بِهَا عَلَى الْحِجَارَةِ مِنْ تَحْتَ الْكِسَاءِ، وَتَقُولُ: يَا أَبَتِ اُنْظُرْ إِلَى الْمَالِ الَّذِي خَلَّفَ لَنَا أَبُونَا.

فَيَقُولُ: إِنَّهُ إِذَنْ لَمُصِيبٌ مُحْسِنٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ-.

وَانْظُرْ إِلَيْهَا إِذْ تَذْهَبُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَإِلَى أَبِيِهَا حَامِلَةً عَتَادًا وَزَادًا -مَاءً وَزَادًا- تَحْمِلُهُ، فَلَمَّا أَنْ مَرَّتْ غَيْرَ بَعِيدٍ بِلَيْلٍ وَهِيَ حَامِلٌ فِي شُهُورِهَا الْأَخِيرَةِ عَلَى مَبْعَدَةِ خَمْسَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ فِي جَبَلٍ وَعْرٍ فِي لَيْلٍ بَهِيمٍ، تَحْمِلُ الزَّادَ وَالْمَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَإِلَى أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ-.

فَلَمَّا مَرَّتْ غَيْرَ بَعِيدٍ؛ وَجَدَتْ أَنَّهُ لِا عِصَامَ لِقِرْبَتِهَا، لَا عِصَامَ لِزَادِهَا، لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَحْمِلَهُ مِنْ غَيْرِ عِصَامٍ تَجْعَلُهُ فِيهِ، فَمَا كَانَ إِلَّا أَنْ عَمَدَتْ إِلَى نِطَاقِهَا فَقَسَمَتْهُ قِسْمَيْنِ، فَجَعَلَتْ عَلَى وَسَطِهَا نِطَاقًا نِصْفًا، وَجَعَلَتِ النِّصْفَ الْآخَرَ عِصَامًا لِقِرْبَتِهَا وَزَادِهَا، فَسُمِّيَتْ بِـ «ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ» -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا.

 

المصدر:قَضَاءُ حَوَائِجِ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ مِنْ نَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الْإِسْرَاءُ وَالْمِعْرَاجُ وَالْمِنْحَةُ بَعْدَ الْمِحْنَةِ
  الْفَرَحُ يَوْمَ الْعِيدِ وَاجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ
  أَسْبَابُ تَحْصِيلِ مَعِيَّةِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْخَاصَّةِ
  إِيمَانُ الْأُمَّةِ وَوَحْدَتُهَا سَبِيلُ عِزَّتِهَا وَحِمَايَةِ مُقَدَّسَاتِهَا
  الْآثَارُ الْمُدَمِّرَةُ لِطُولِ الْأَمَلِ دُنْيَا وَآخِرَةً
  مِنْ صُوَرِ الْعَمَلِ التَّطَوُّعِيِّ: إِطْعَامُ الْفُقَرَاءِ، وَقَضَاءُ دُيُونِهِمْ
  أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللهُ بِهَا عَلَى الثَّقَليْنِ نِعْمَةُ الرَسُولِ ﷺ
  كِبَارُ السِّنِّ -الْمُسِنُّونَ- الصَّالِحُونُ خَيْرُ النَّاسِ
  مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: الِالْتِزَامُ بِسُنَنِ النَّبِيِّ ﷺ عِنْدَ وِلَادَتِهِ
  حُرْمَةُ قَتْلِ الْمَدَنِيِّينَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  خَوْفُ السَّلَفِ مِنَ النِّفَاقِ
  حَقِيقَةُ الْإِيمَانِ
  مِنَ الثَّمَرَاتِ الْعَظِيمَةِ لِلزَّكَاةِ: تَحْقِيقُ التَّكَافُلِ وَالتَّوَازُنِ الْمُجْتَمَعِيِّ
  مُحَاسَبَةُ النَّفْسِ
  كَيْفَ نُحَقِّقُ الْإِخْلَاصِ وَالتَّقْوَى؟
  • شارك