سَبَبُ امْتِيَازِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ بِأَفْضَلِيَّةِ الطَّاعَاتِ فِيهَا


سَبَبُ امْتِيَازِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ بِأَفْضَلِيَّةِ الطَّاعَاتِ فِيهَا

وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ -رَحِمَهُ اللهُ- السَّبَبَ فِي امْتِيَازِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ بِأَنَّ الطَّاعَاتِ فِيهَا أفْضَلُ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ فَقَالَ: ((هُوَ لِأَجْلِ اجْتِمَاعِ أُمَّهَاتِ الْعِبَادَةِ فِيهِ وَهِيَ: الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالْحَجُّ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ, وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ)).

وَهَذِهِ الْأَفْضَلِيَّةُ ثَابِتَةٌ لِأَيَّامِ الْعَشْرِ وَلَيَالِيهَا، وَإِنَّمَا اِقْتَصَرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى ذِكْرِ الْأَيَّامِ؛ لِأَنَّ الْأَيَّامَ إِذَا أُطْلِقَتْ دَخَلَتْ فِيهَا اللَّيَالِي تَبَعًا، وَقَدْ أَقْسَمَ اللهُ تَعَالَى بِهَا فَقَالَ: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر 1-2].

وَإِنَّمَا قَالَ الصَّحَابَةُ الْمُسْتَمِعُونَ إِلَى الرَّسُولِ ﷺ: ((وَلَا الْجِهَادُ؟))؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَبْعَدُوا أَنْ يَكُونَ الْجِهَادُ فِيهَا أَفْضَلَ مِنْهُ فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ فِي غَيْرِهَا لَا يُخِلُّ بِالْحَجِّ بِخِلَافِ الْجِهَادِ فِيهَا؛ فَإِنَّهُ قَدْ يُخِلُّ بِالْحَجِّ، فَكَانَ الَّذِي يَخْطُرُ بِالْبَالِ أَنَّ الْجِهَادَ فِي غَيْرِهَا أَفْضَلُ، فَبَيَّنَ لَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ الْجِهَادَ فِيهَا أَفْضَلُ أَيْضًا إِلَّا فِي الْحَالَةِ الَّتِي اسْتَثْنَاهَا، وَهِيَ جِهَادُ مَنْ خَرَجَ يُكَافِحُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ أَصْلًا.

 وَيَبْقَى الِاسْتِفْسَارُ عَمَّنْ خَرَجَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَعَادَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فِي الْأَيَّامِ الْعَشْرِ؛ أَلَيْسَ عَمَلُهُ هَذَا فِيهَا أَفْضَلَ مِنْهُ فِي غَيْرِهَا؟

وَالْجَوَابُ: نَعَمْ.

 وَيَصِيرُ هَدَفُ الْحَدِيثِ: بَيَانَ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ، وَأَفْضَلِ الْأَوْقَاتِ، وَالْأَوْلَى حَمْلُ سُؤَالِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-: ((وَلَا الْجِهَادُ؟)) عَلَى أنَّهُمْ يَفْهَمُونَ أَنَّ الْجِهَادَ نَفْلًا أَفْضَلُ مِنْ أَيِّ نَفْلٍ, وَفَرْضًا أَفْضَلُ مِنْ أَيِّ فَرْضٍ, فَيَكُونُ مُرَادُ السَّائِلِ وَلَا الْجِهَادُ فِي غَيْرِهَا أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ فِيهَا؟

وَيَكُونُ جَوَابُ الرَّسُولِ ﷺ: وَلَا الْجِهَادُ فِي غَيْرِهَا أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ فِيهَا؛ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ فِي غَيْرِهَا يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ، فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ أيِّ قُرْبَةٍ غَيْرِ ذَلِكَ فِيهَا.

وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ الْعَمَلَ الْمَفْضُولَ فِي الْوَقْتِ الْفَاضِلِ يَلْحَقُ بِالْعَمَلِ الْفَاضِلِ فِي غَيْرِهِ، وَيَزِيدُ عَلَيْهِ؛ لِمُضَاعَفَةِ ثَوَابِهِ وَأَجْرِهِ.

وَبَيَّنَ تَفْضِيلَ بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ عَلَى بَعْضٍ, كَمَا فُضِّلَتْ بَعْضُ الْأَمْكِنَةِ عَلَى بَعْضٍ.

وقَدِ اِسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ بَعضُهُمْ عَلَى فَضْلِ صِيَامِ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ؛ لِانْدِرَاجِ الصَّوْمِ فِي الْعَمَلِ، وَاسْتُشْكِلَ بِتَحْرِيمِ الصَّوْمِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ، وَأُجِيبَ عَنِ الِاسْتِشْكَالِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ.

هَذَا الْفَضْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّسُولُ ﷺ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً، قَوْلِيَّةً وَفِعْلِيَّةً.

 فَنَوَافِلُ الْعَشْرِ أَعْظَمُ النَّوَافِلِ، وَفَرَائِضُ الْعَشْرِ أَفْضَلُ الْفَرَائِضِ، وَالْفَرَائِضُ فِي غَيْرِ الْعَشْرِ أَعْظَمُ مِنْ نَوَافِلِ الْعَشْرِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْفَرَائضَ أَحَبُّ إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنَ النَّوَافِلِ كَمَا أَفَادَ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-، فَصِيَامُ أَيَّامِ رَمَضَانَ أَعْظَمُ مِنْ صِيَامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ.

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ: ((أمَّا صِيَامُ رَمَضَانَ فَأَفْضَلُ مِنْ صِيَامِ الْعَشْرِ بِلَا شَكٍّ، فَإِنَّ صَوْمَ الْفَرْضِ أَفْضَلُ مِنَ النَّفْلِ بِلَا تَرَدُّدٍ)).

 

المصدر: فَضَائِلُ عْشَرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَحْكَامُ الْأُضْحِيَّةِ، وَفِقْهُ الْمَقَاصِدِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  لَا يُفِيدُ الصِّيَامُ شَيْئًا مَعَ كَثْرَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ
  مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ الْمُسْلِمِ: حَقُّهُ فِي الْحَيَاةِ
  حَثُّ اللهِ وَرَسُولِهِ عَلَى العَمَلِ، وَالْبِنَاءِ، وَتَعْمِيرِ الْأَرْضِ
  الزَّوَاجُ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-
  مَبْنَى الْعَلَاقَاتِ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى الْعَدْلِ
  إِذَا انْهَارَتِ الْأَخْلَاقُ انْهَارَ الْمُجْتَمَعُ
  لَا يُجزِئُ إِخرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ قِيمَةِ الطَّعَامِ
  إِمْسَاكُ الْعَبْدِ عَنِ الشَّرِّ وَأَذَى الْخَلْقِ صَدَقَةٌ
  حَرْبُ الشَّائِعَاتِ ضِدَّ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْعَصْرِ
  حِيَاطَةُ الشَّرْعِ لِلْعَقْلِ
  حِكْمَةُ اللهِ فِي اسْتِخْلَافِهِ الْإِنْسَانَ فِي الْأَرْضِ
  تَرْبِيَةُ الطِّفْلِ عَلَى الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ
  تَقْدِيمُ مَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ عَلَى الْمَصَالِحِ الْخَاصَّةِ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الْأَئِمَّةِ
  بَيْنَ الِابْنِ وَأُمِّهِ!!
  الْمُقَارَنَةُ بَيْنَ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَالْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ
  • شارك