الْمِيثَاقُ الْغَلِيظُ -الزَّوَاجُ- فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ


 ((الْمِيثَاقُ الْغَلِيظُ -الزَّوَاجُ- فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ))

*نِعْمَةُ الزَّوَاجِ وَالتَّرْغِيبُ فِيهِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ:

اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَ هَذَا الْكَوْنَ مَبْنِيًّا عَلَى قَانُونٍ لَا يَتَخَلَّفُ، وَهُوَ قَانُونُ الزَّوْجِيَّةِ.

*لَقَدْ سَمَّى اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- الزَّوَاجَ مِيثَاقًا غَلِيظًا -عَهْدًا شَدِيدًا-؛ فَقَالَ رَبُّنَا  -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 20-21].

وَإِنْ أَرَدْتُمْ -يَا مَعْشَرَ الرِّجَالِ- طَلَاقَ زَوْجَةٍ وَاسْتِبْدَالَ زَوْجَةٍ أُخْرَى مَكَانَهَا، وَكَانَ صَدَاقُ مَنْ تُرِيدُونَ طَلَاقَهَا مَالًا كَثِيرًا؛ فَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قِبَلِهَا نُشُوزٌ وَسُوءُ عِشْرَةٍ.

أَفَتَأْخُذُونَهُ مُفْتَرِينَ فَاعِلِينَ فِعْلًا تَتَحَيَّرُ الْعُقُولُ فِي سَبَبِهِ، آثِمِينَ بِفِعْلِهِ إِثْمًا وَاضِحًا مُعْلَنَ الْوُضُوحِ، مُسْتَنْكَرَ الْوُقُوعِ.

فَلَا تَفْعَلُوا هَذَا الْفِعْلَ مَعَ ظُهُورِ قُبْحِهِ فِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ.

وَلِأَيِّ وَجْهٍ تَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذَا الْفِعْلِ، وَكَيْفَ يَلِيقُ بِالْعَاقِلِ أَنْ يَسْتَرِدَّ شَيْئًا بَذَلَهُ لِزَوْجَتِهِ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، وَقَدْ وَصَلَ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ بِالْجِمَاعِ وَالْخَلْوَةِ، وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ عَهْدًا شَدِيدًا مُؤَكَّدًا وَهِيَ كَلِمَةُ النِّكَاحِ الَّتِي تُسْتَحَلُّ بِهَا فُرُوجُ النِّسَاءِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات: 49].

وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ فِي الْكَوْنِ خَلَقْنَا صِنْفَيْنِ، نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ؛ فِي النَّاسِ، وَالنَّبَاتَاتِ، وَالْكَهْرُبَاءِ، وَالْمَغْنَاطِيسِ، وَالذَّرَّاتِ، نُبَيِّنُ لَكُمْ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ التَّكْوِينِيَّةَ، رَاغِبِينَ أَنْ تَضَعُوهَا فِي ذَاكِرَتِكُمْ أَيُّهَا الْمُتَلَقُّونَ الْمُتَدَبِّرُونَ.

وَكُلَّمَا اكْتَشَفْتُمْ وُجُودَ نِظَامِ الزَّوْجِيَّةِ فِي شَيْءٍ، وَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ خَفِيًّا عَلَيْكُمْ؛ تَذَكَّرْتُمْ هَذَا الْبَيَانَ: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ}، فَعَلِمْتُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنْ لَدُنْهُ، وَعَلِمْتُمْ أَنَّ خَالِقَ الْأَزْوَاجِ فَرْدٌ لَا نَظِيرَ، وَلَا شَرِيكَ مَعَهُ.

وَقَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [النجم: 45].

وَأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ -مِنْ كُلِّ حَيٍّ.

وَقَالَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ! احْذَرُوا أَمْرَ رَبِّكُمْ أَنْ تُخَالِفُوهُ إِذَا أَمَرَكَمْ بِهِ وَنَهَاكُمْ عَنْهُ، الَّذِي خَلَقَ السُّلَالَةَ الْإِنْسَانِيَّةَ مُشْتَقَّةً مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ آدَمُ أَبُو الْبَشَرِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَخَلَقَ مِنْ آدَمَ زَوْجَهُ حَوَّاءَ، وَنَشَرَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ وَحَوَّاءَ بِالتَّنَاسُلِ رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً كَثِيرَاتٍ.

*وَالزَّوَاجُ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38].

وَنُؤَكِّدُ لَكَ أَنَّنَا لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ -يَا رَسُولَ اللهِ- مِنَ الْبَشَرِ، وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً، فَلَيْسَ أَمْرُكَ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ.

*وَالزَّوَاجُ وَمَا فِيهِ مِنَ الْمَحَبَّةِ وَالْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ مِنْ آيَاتِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-:

قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].

وَمِنْ آيَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى عَظَمَتِهِ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ جِنْسِكُمْ -أَيُّهَا الرِّجَالُ- أَزْوَاجًا؛ لِتَمِيلُوا إِلَيْهِنَّ وَتَأْلَفُوهُنَّ، وَتُصِيبُوا مِنْهُنَّ مُتْعَةً وَلَذَّةً، وَجَعَلَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ نَوْعًا مِنَ الْحُبِّ الْهَادِئِ الثَّابِتِ، وَعَاطِفَةً نَفْسِيَّةً تَدْفَعُكُمْ إِلَى الْعَطَاءِ وَالْمُسَاعَدَةِ، وَمُشَارَكَةِ الْمَعْطُوفِ فِي آلَامِهِ وَآمَالِهِ.

إِنَّ فِي ذَلِكَ لِعَلَامَاتٍ مُتَعَدِّدَاتٍ جَلِيلَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ تَفْكِيرًا عَمِيقًا مُتَأَنِّيًّا فِيمَا خَلَقَ اللهُ بَيْنَ الْأَزْوَاجِ مِنْ مَوَدَّةٍ وَرَحْمَةٍ وَسَكَنٍ نَفْسِيٍّ.

*وَقَدْ حَثَّ اللهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ عَلَى تَزْوِيجِ مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ، وَاخْتْيَارِ الصَّالِحِ، وَالْحِرْصِ عَلَى التَّوَسُّطِ وَالْمُعَاوَنَةِ فِي الزَّوَاجِ:

قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور: 32].

وَزَوِّجُوا -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ مِنْ رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ، وَزَوِّجُوا -أَيُّهَا الْأَوْلِيَاءُ- مَنْ كَانَ فِيهِ صَلَاحٌ وَخَيْرٌ مِنْ عَبِيدِكُمْ وَجَوَارِيكُمْ، بِالْمُعَاوَنَةِ وَالتَّوَسُّطِ فِي النِّكَاحِ وَالتَّمْكِينِ مِنْهُ.

إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ مِنَ الْمَالِ يُوَسِّعُ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ فَضْلِهِ وَجُودِهِ، وَاللهُ ذُو الْإِفْضَالِ وَالْجُودِ لَا نَفَادَ لِنِعْمَتِهِ، وَلَا حَدَّ لِقُدْرَتِهِ، عَلِيمٌ بِمَا يُصْلِحُ خَلْقَهُ مِنَ الرِّزْقِ.

 

المصدر:الْمِيثَاقُ الْغَلِيظُ وَضَرُورَةُ الْحِفَاظِ عَلَيْهِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الْبِرُّ الْحَقُّ بِالْأَبَوَيْنِ
  عِيشُوا بِالْوَحْيِ تَسْعَدُوا!
  الْفَرَحُ الشَّرْعِيُّ فِي الْعِيدَيْنِ
  مِنْ مَعَالِمِ الْبِرِّ بِالْأَوْطَانِ: الِاتِّحَادُ وَعَدَمُ شَقِّ الصَّفِّ
  الدرس الحادي والعشرون : «الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ»
  الحُبُّ الفِطْرِيُّ لِلْأَوْطَانِ
  الْجُودُ وَالْإِيثَارُ فِي رَمَضَانَ
  اثْبُتُوا -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- أَمَامَ هَذِهِ الْفِتَنِ
  مِنْ دُرُوسِ وَفَوَائِدِ قِصَّةِ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: الِامْتِثَالُ وَالِاسْتِسْلَامُ لِأَمْرِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-
  سَعَادَةُ الْمُسْلِمِ فِي التَّوَازُنِ بَيْنَ قُوَّتَيْهِ الْعَمَلِيَّةِ وَالْعِلْمِيَّةِ
  الْإِسْلَامُ دِينُ الْوَحْدَةِ وَعَدَمُ الْفُرْقَةِ
  اسْتِخْلَافُ اللهِ الْإِنْسَانَ فِي الْأَرْضِ
  اسْتِقْبَالُ الْعَشْرِ بِالِاجْتِهَادِ فِي أَدَاءِ الْحُقُوقِ وَسَدَادِ الدُّيُونِ
  الْمُعَامَلَةُ بِالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ، وَالْعَدْلِ مَعَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسَالِمِينَ
  نَصَائِحُ النَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ لِتُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ
  • شارك