مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْهِجْرَةِ إِلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-: هَجْرُ الْفَوَاحِشِ وَالنَّظَرِ وَالسَّمَاعِ الْمُحَرَّمِ


 ((مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْهِجْرَةِ إِلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-:

هَجْرُ الْفَوَاحِشِ وَالنَّظَرِ وَالسَّمَاعِ الْمُحَرَّمِ))

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْهِجْرَةِ إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: هَجْرُ الْفَوَاحِشِ وَالنَّظَرِ وَالسَّمَاعِ الْمُحَرَّمِ؛ فَإِنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ هُوَ دِينُ الطَّهَارَةِ، دِينُ طَهَارَةِ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ عَلَى السَّوَاءِ، أَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِطَهَارَةِ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ وَالْأَنْفُسِ.

وَأَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِطَهَارَةِ الْأَبْدَانِ وَالثِّيَابِ وَالْأَمْكِنَةِ، وَهُوَ دِينُ الْعِفَّةِ وَدِينُ الْعَفَافِ، يَنْفِي الْفَاحِشَةَ وَيُحَارِبُهَا وَيَسُدُّ الْمَسَالِكَ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَيْهَا.

{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف: 33].

لَقَدْ ضَرَبَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَنَا الْأَمْثَالَ بِأَطْهَرِ الْقُلُوبِ عَلَى الْأَرْضِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ؛ فَقَالَ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53].

وَالضَّمِيرُ هَاهُنَا: يَعُودُ إِلَى الْأَصْحَابِ -أَصْحَابِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ ﷺ وَإِلَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِذَا سَأَلْتُمْ يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ، {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ} أَيْ: سَأَلْتُمْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ {مَتَاعًا} فِيمَا يَكُونُ مِنْ أَوَانِي الدُّنْيَا الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي حَاجَاتِهَا.

{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ}: مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ سُؤَالٌ هَكَذَا عَلَى صَوْتٍ يُسْمَعُ وَإِجَابَةٍ تَأْتِي بِلَا مَزِيدٍ، {ذَلِكُمْ}: يَعْنِي ذَلِكُمُ السُّؤَالُ عَلَى ذَلِكَ النَّحْوِ الْمَذْكُورِ؛ بِالسُّؤَالِ صَوْتًا مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ وَلَا دُخُولٍ، {أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ} يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ، {وَقُلُوبِهِنَّ} يَا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ الْأَمِينِ.

فَهَذِهِ أَطْهَرُ الْقُلُوبِ طُرًّا؛ وَمَعَ ذَلِكَ أَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عِنْدَ السُّؤَالِ بِهَذَا الِاحْتِرَازِ الْمَتِينِ؛ لِأَنَّهُنَّ قُدْوَةٌ وَأُسْوَةٌ لِسَائِرِ النِّسَاءِ، وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ قُدْوَةٌ وَأُسْوَةٌ لِسَائِرِ الرِّجَالِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ.

يَقُولُ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- فِي حَقِّ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ-: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} [الأحزاب: 32].

فَأَخْبَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ نِسَاءَ النَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ أَنَّهُنَّ لَسْنَ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْنَ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ}: بِاللِّينِ فِيهِ وَتَرْقِيقِ النَّبْرَةِ، فَنَهَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَنِ الْخُضُوعِ بِالْقَوْلِ؛ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ.

وَأَمَرَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَضِّ الْبَصَرِ؛ فَقَالَ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}؛ يَعْنِي: إِذَا أَتَتْ نَظْرَةُ الْفَجْأَةِ فَاصْرِفْ بَصَرَكَ، وَهَذَا وَاجِبٌ وَفَرْضٌ.

{وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}، قَوْلًا وَاحِدًا؛ فَهَذَا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ تَبْعِيضٍ، وَإِنَّمَا هُوَ كُلٌّ يُؤْتَى بِهِ كُلًّا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ.

{وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ}، ثُمَّ {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ.

تَحْسَبُ أَنَّ النَّظَرَ إِذَا مَا سُرِّحَ فِي مَحَارِمِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَظَرًا؛ فِي صُورَةٍ صَامِتَةٍ مَطْبُوعَةٍ، أَوْ صُورَةٍ نَاطِقَةٍ مُشَاهَدَةٍ مُبْصَرَةٍ، تَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا كَنَزْتَهُ لِنَفْسِكَ دُنْيَا وَآخِرَةً، وَأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا حَصَّلْتَهُ لَكَ ذُخْرًا، وَأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ حُزْتَهُ لَدَيْكَ كَنْزًا مَكْنُوزًا؟!

وَاهِمٌ أَنْتَ يَا صَاحِبِي!!

فَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَعُودَ مِنْ قَرِيبٍ، وَأَنْ نَفْزَعَ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَنْ نَتْرُكَ الْمَعَاصِيَ جَانِبًا، وَأَنْ نُغَادِرَ هَذَا الْفُحْشَ الْفَاحِشَ الَّذِي تَعُجُّ بِهِ الدُّنْيَا.

عِبَادَ اللهِ! أَلَا إِنَّ فِي أَحْدَاثِ الْهِجْرَةِ مَا يَدْعُونَا إِلَى أَنْ نَكُونَ مُهَاجِرِينَ مِنَ اللَّحْظَةِ وَفِي التَّوِّ؛ مُهَاجِرِينَ مِنَ الذُّنُوبِ إِلَى الطَّاعَاتِ، وَمِنَ الْآثَامِ وَالْمَعَاصِي إِلَى الِارْتِمَاءِ عَلَى جَنَبَاتِ الرَّحَمَاتِ وَإِلَى الْعَوْدَةِ إِلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، عَسَى اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَجْعَلَ لَنَا مِنَ اتِّبَاعِ النَّبِيِّ ﷺ أَوْفَى نَصِيبٍ، إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْنَا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا.

اللَّهُمَّ أَخْرِجْنَا مِنْ ذُلِّ الْمَعْصِيَةِ إِلَى عِزِّ الطَّاعَةِ.

وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.

 

المصدر:الْمَفَاهِيمُ الصَّحِيحَةُ لِلْهِجْرَةِ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الدُّعَاءُ مِنْ أَكْرَمِ الْأَذْكَارِ عَلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-
  الْأَمْوَالُ وَالْأَوْلَادُ ابْتِلَاءٌ وَاخْتِبَارٌ!!
  مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ: رِعَايَةُ الْحَيَوَانَاتِ
  «تاريخ نشأةِ بِدْعَةِ الاحتفالِ بِالمَوْلِدِ النَّبويِّ» الشَّيخ العلَّامة المُحَدِّثُ: عبد المُحْسِن العبَّاد البدر -حفظه الله-
  ثَمَرَاتُ التَّرْشِيدِ فِي الْإِنْفَاقِ فِي رَمَضَانَ
  قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا
  ذِكْرُ اللهِ وَدُعَاؤُهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ
  فَوَائِدُ الْإِيمَانِ وَثَمَرَاتُهُ عَلَى الْفَرْدِ
  هَلِ الْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ أَمِ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ مِنْ رَمَضَانَ؟
  عَدْلُ الْإِسْلَامِ مَعَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ
  مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ: الِاجْتِهَادُ فِي الطَّاعَاتِ وَمُجَانَبَةِ الْمَعَاصِي
  الْآثَارُ الْخَطِيرَةُ وَالثَّمَرَاتُ الْمُرَّةُ لِلتَّطَرُّفِ الْفِكْرِيِّ
  مُحَمَّدٌ ﷺ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، وَدِينُهُ دِينُ الرَّحْمَةِ
  قِبْلَةُ المُسْلِمِينَ خَيْرُ القِبَلِ وَعِظَمُ شَرَفِ مَكَّةَ
  الدرس الثاني : «الْإِخْلَاصُ»
  • شارك