عَامٌ شَهِيدٌ وَعَامٌ جَدِيدٌ


((عَامٌ شَهِيدٌ وَعَامٌ جَدِيدٌ))

فَفِي ((الضِّيَاءِ اللَّامِعِ)) : ((أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّنَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ نَسْتَقْبِلُ عَامًا جَدِيدًا إِسْلَامِيًّا هِجْرِيًّا، ابْتَدَأَ عَقْدُ سَنَوَاتِهِ مِنْ أَجَلِّ مُنَاسَبَةٍ فِي الْإِسْلَامِ؛ أَلَا وَهِيَ هِجْرَةُ النَّبِيِّ ﷺ، الَّتِي ابْتَدَأَ بِهَا تَكْوِينُ دَوْلَةٍ إِسْلَامِيَّةٍ فِي أَوَّلِ بَلَدٍ إِسْلَامِيٍّ مُسْتَقِلٍّ يَحْكُمُهُ الْمُسْلِمُونَ.

وَلَمْ يَكُنِ التَّارِيخُ مَعْمُولًا بِهِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، حَتَّى كَانَتْ خِلَافَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَاتَّسَعَتْ رُقْعَةُ الْإِسْلَامِ وَاحْتَاجَ النَّاسُ إِلَى التَّأْرِيخِ فِي أُعْطِيَاتِهِمْ وَغَيْرِهَا.

فَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ مِنْ خِلَافَتِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّهُ يَأْتِينَا مِنْكَ كُتُبٌ لَيْسَ لَهَا تَأْرِيخٌ، فَجَمَعَ عُمَرُ الصَّحَابَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- فَاسْتَشَارَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرِّخُوا كَمَا تُؤَرِّخُ الْفُرْسُ بِمُلُوكِهَا، كُلَّمَا هَلَكَ مَلِكٌ أَرَّخُوا بِوِلَايَةِ مَنْ بَعْدَهُ، فَكَرِهَ الصَّحَابَةُ ذَلِكَ.

فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرِّخُوا بِتَارِيخِ الرُّومِ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ أَيْضًا.

فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرِّخُوا مِنْ مَوْلِدِ النَّبِيِّ ﷺ.

وَقَالَ آخَرُونَ: مِنْ مَبْعَثِهِ.

وَقَالَ آخَرُونَ: مِنْ هِجْرَتِهِ.

فَقَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((الْهِجْرَةُ فَرَّقَتْ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ فَأَرِّخُوا بِهَا، فَأَرَّخُوا مِنَ الْهِجْرَةِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ.

ثُمَّ تَشَاوَرُوا مِنْ أَيِّ شَهْرٍ يَكُونُ ابْتِدَاءُ السَّنَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مِنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ الشَّهْرُ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ الشَّهْرُ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ النَّبِيُّ ﷺ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرًا.

وَاخْتَارَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّهُ شَهْرٌ حَرَامٌ يَلِي شَهْرَ ذِي الْحِجَّةِ الَّذِي يُؤَدِّي الْمُسْلِمُونَ فِيهِ حَجَّهُمُ الَّذِي بِهِ تَمَامُ أَرْكَانِ دِينِهِمْ، وَكَانَتْ فِيهِ بَيْعَةُ الْأَنْصَارِ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَالْعَزِيمَةُ عَلَى الْهِجْرَةِ، فَكَانَ ابْتِدَاءُ السَّنَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْهِجْرِيَّةِ مِنَ الشَّهْرِ الْحَرَامِ الْمُحَرَّمِ).

 

المصدر:الْمَفَاهِيمُ الصَّحِيحَةُ لِلْهِجْرَةِ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  سُلُوكُ الصَّائِمِينَ الْمُتَّقِينَ
  مَظَاهِرُ النِّظَامِ فِي عِبَادَةِ الصَّوْمِ
  سِمَاتُ الشَّخْصِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ فِي ضَوْءِ الشَّرْعِ
  مِنْ أَعْظَمِ سُبُلِ مُوَاجَهَةِ إِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ: حُسْنُ التَّرْبِيَةِ وَالتَّأْدِيبِ لِلْأَبْنَاءِ
  رِقَابَةُ السِّرِّ وَالضَّمِيرِ مِنْ سُبُلِ تَفْرِيجِ الْكُرُبَاتِ
  الْإِحْسَانُ هُوَ أَسَاسُ الْعَلَاقَاتِ فِي الْإِسْلَامِ
  عِيدُكُمْ السَّعِيدُ بِالتَّطَهُّرِ مِنَ الشِّرْكِ، وَالْبِدَعِ وَالْمَعَاصِي
  تَرْبِيَةُ الطِّفْلِ عَلَى أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ
  مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: رِعَايَتُهُ وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ حَلَالٍ
  رَحْمَةُ اللهِ بِمَنْ يَقْضِي حَاجَةَ كَلْبٍ؛ فَكَيْفَ بِإِخْوَانِكُمْ؟!!
  مِنْ أَعْظَمِ سُبُلِ بِنَاءِ الِاقْتِصَادِ السَّدِيدِ: اجْتِنَابُ الْمُعَامَلَاتِ الِاقْتِصَادِيَّةِ الْمُحَرَّمَةِ
  وُجُوبُ تَحَرِّي الْحَلَالِ الطَّيِّبِ
  حُسْنُ الْخَاتِمَةِ بَيْنَ اجْتِهَادِ الْعَبْدِ وَتَوْفِيقِ الرَّبِّ -جَلَّ وَعَلَا-
  حُرْمَةُ قَتْلِ الْمُسْتَأْمَنِينَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  الدرس الثالث عشر : «تَحَرِّي الحَلَالِ»
  • شارك