دِينُ الْإِسْلَامِ هُوَ دِينُ الْفِطْرَةِ والطَّهَارَةِ


«دِينُ الْإِسْلَامِ هُوَ دِينُ الْفِطْرَةِ والطَّهَارَةِ»

فَإِنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ هُوَ دِينُ الطَّهَارَةِ، دِينُ طَهَارَةِ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ عَلَى السَّوَاءِ، هُوَ دِينُ الْعِفَّةِ وَدِينُ الْعَفَافِ؛ يَنْفِي الْفَاحِشَةَ وَيُحَارِبُهَا، وَيَسُدُّ الْمَسَالِكَ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَيْهَا.

{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف: 33].

أَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِطَهَارَةِ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ وَالْأَنْفُسِ، وَأَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِطَهَارَةِ الْأَبْدَانِ وَالثِّيَابِ وَالْأَمْكِنَةِ.

قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108].

فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا طَهَارَةَ الْبَاطِنِ مِنَ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ وَالْمَعَاصِي، وَطَهَارَةَ الظَّاهِرِ مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالْأَنْجَاسِ بِالْمَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ صَادِقُو الْإِيمَانِ، وَحَرِيصُونَ عَلَى أَنْ يَظْفَرُوا بِمَحَبَّةِ اللهِ لَهُمْ، وَاللهُ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَمَنْ أَحَبَّهُ اللهُ ضَاعَفَ لَهُ الثَّوَابَ عَلَى أَعْمَالِهِ، وَزَادَهُ مِنْهُ قُرْبًا، وَغَمَرَهُ بِفُيُوضِ إِحْسَانِهِ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ فِي كَلِمَةٍ جَامِعَةٍ.. لِكَيْ تَعْلَمَ أَنَّ الْمُسْلِمَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ آخِذًا بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، لَا يَنْتَقِي؛ لِأَنَّ مَا الَّذِي يُنْتَقَى مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ وَكُلُّهُ خِيَارٌ فِي خِيَارٍ؟!! وَإِنَّمَا يَنْتَقِي الْإِنْسَانُ مِمَّا فِيهِ حَسَنٌ وَأَحْسَنُ، وَفِيهِ سَيِّئٌ وَأَسْوَأُ، وَأَمَّا مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ فَهُوَ الْأَحْسَنُ كُلُّهُ.. الرَّسُولُ ﷺ فِي كَلِمَةٍ جَامِعَةٍ يَقُولُ: ((الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ)) .

النَّظَافَةُ شَطْرُ الدِّينِ.

الْفَيْصَلُ الْقَائِمُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ صَحَابَةِ نَبِيِّنَا.. بَيْنَ هَزِيمَتِنَا وَنَصْرِهِمْ، وَذِلَّتِنَا وَعِزَّتِهِمْ، وَانْحِطَاطِنَا وَارْتِفَاعِهِمْ، الْفَاصِلُ الْفَيْصَلُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ: أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَتَعَلَّمُونَ.. لَا يَسْمَعُونَ.. لَا يَقْرَؤُونَ مَتَاعًا، وَإِنَّمَا هُوَ الْبَيَانُ كَالْجُنْدِيِّ فِي الْمَعْرَكَةِ بِإِزَاءِ قَائِدِهِ، يَسْمَعُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ لِكَيْ يَكُونَ قَيْدَ التَّنْفِيذِ فِي الْحَالِ.

الْجُنْدِيُّ فِي الْمَعْرَكَةِ مَعَ قَائِدِهِ يَسْمَعُ الْأَمْرَ لِلتَّنْفِيذِ، لَا لِلْجِدَالِ وَلَا لِلْمِحَالِ.

النَّبِيُّ ﷺ عَلَى ذَلِكَ رَبَّاهُمْ فَسَادُوا، وَأَمَّا نَحْنُ فَتَخَلَّفْنَا لِتَخَلُّفِنَا عَمَّا تَمَسَّكُوا بِهِ؛ يَعْنِي إِذَا قِيلَ لِلْمُسْلِمِ: إِنَّ الْإِسْلَامَ دِينُ النَّظَافَةِ -وَهُوَ كَذَلِكَ بِحَقٍّ- مَا الَّذِي يَمْنَعُهُ أَنْ يَكُونَ نَظِيفًا إِذَنْ؟!!

أَوَيَحْتَاجُ الدَّاعِي إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَظَلَّ دَهْرًا يَطُولُ.. أَنْ يَظَلَّ دَهْرَهُ كُلَّهُ وَعُمُرَهُ أَجْمَعَ يُرَدِّدُ عَلَى مَسَامِعِ الْمُسْلِمِ: إِنَّ الْإِسْلَامَ دِينُ النَّظَافَةِ لِكَيْ يَكُونَ نَظِيفًا؟!!

إِنَّمَا هِيَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ: ((إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ)) كَمَا قَالَ النَّبِيُّ الْمُخْتَارُ ﷺ ، وَتُحْسَمُ الْقَضِيَّةُ.

يَا أَخِي كُنْ نَظِيفًا.. كُنْ نَظِيفًا حَتَّى تُطِيعَ النَّبِيَّ ﷺ: ((الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ)).

طَهَارَةُ بَاطِنٍ وَظَاهِرٍ، قَلْبٌ سَوِيٌّ، لَا غِشَّ وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ وَلَا حِقْدَ وَلَا خِدَاعَ، نَفْسٌ صَافِيَةٌ مُحِبَّةٌ لِلْخَيْرِ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً، وَلِلْمُسْلِمِينَ كَمَا يُحِبُّ لِذَاتِهِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ، إِيثَارٌ لَا أَثَرَةَ فِيهِ، وَعَطَاءٌ لَا مَنْعَ مَعَهُ.

طَهَارَةُ بَاطِنٍ، بَاطِنٌ نَظِيفٌ تَنْعَكِسُ أَنْوَارُ نَظَافَتِهِ عَلَى ظَاهِرٍ نَظِيفٍ، نَعَمْ.. ظَاهِرٍ نَظِيفٍ.

النَّبِيُّ ﷺ يَجْعَلُهَا فِطْرَةً.. فِطْرَةً يُبَيِّنُهَا ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فِي كَلَامٍ حَسَنٍ نَظِيفٍ؛ إِذْ يَتَنَاوَلُ قَوْلَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة: 124]، قَالَ: ((ابْتَلَاهُ بِخِصَالٍ فِي رَأْسِهِ وَفِي جَسَدِهِ؛ فَأَمَّا فِي رَأْسِهِ فَفَرْقُ شَعْرِهِ..)) .

أَوَفِي هَذَا مِنْ شَيْءٍ؟!!

هِيَ مِنْ خِصَالِ الْفِطْرَةِ كَمَا بَيَّنَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

تَقُولُ عَائِشَةُ -كَمَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) -: ((كَأَنِّي أَرَى وَبِيصَ الطِّيبِ -يَعْنِي لَمَعَانَ الطِّيبِ- فِي مَفَارِقِ شَعْرِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَهُوَ مُحْرِمٌ)).

يَقُولُ: ((ابْتَلَاهُ بِأُمُورٍ فِي شَعْرِهِ، بِالْفَرْقِ فِي شَعْرِهِ، بِالْمَضْمَضَةِ، بِالِاسْتِنْشَاقِ، بِالسِّوَاكِ، ابْتَلَاهُ بِإِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ، بِقَصِّ الشَّارِبِ، ابْتَلَاهُ فِي بَدَنِهِ بِالِاسْتِحْدَادِ -يَعْنِي بِأَخْذِ شَعْرِ الْعَانَةِ بِالْحَدِيدَةِ بِالْمُوسَى -إِنْ أَطَاقَهُ- وَإِلَّا فَبَأَيِّ وَسِيلَةٍ يُطِيقُهَا، بِنَتْفِ الْإِبِطِ -إِنِ اسْتَطَاعَ، وَإِلَّا فَلْيَأْخُذِ الشَّعْرَ مِنْ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ بِأَيِّ صُورَةٍ أَطَاقَهَا-، انْتِقَاصُ الْمَاءِ -يَعْنِي: اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ لِلِاسْتِنْجَاءِ بَعْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ بَوْلًا وَغَائِطًا- مِنْ سُنَنِ الْفِطْرَةِ)) .

مُسْلِمٌ نَظِيفٌ ظَاهِرًا.

النَّبِيُّ ﷺ جَعَلَ أُمُورًا مِنْ خِصَالِ الْفِطْرَةِ.

تَدْرِي مَا هُوَ الَّذِي يُعْجِبُكَ وَيُعَجِّبُكَ مِنْ ذَلِكَ الْمَذْكُورِ فِي تِلْكَ الْخِصَالِ؟!!

يَقُولُ: ((وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ)).

وَالْبَرَاجِمُ: جَمْعُ بُرْجُمَةٍ؛ وَهِيَ تِلْكَ الْمَفَاصِلُ بِأَصَابِعِ الْيَدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ إِذَا مَا أَكَلَتْ لَا تَغْسِلُ أَيْدِيَهَا، فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَبْقَى مِنْ أَثَرِ الطَّعَامِ بِزُهُومَتِهِ يَبْقَى فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ عِنْدَ تِلْكَ الْمَفَاصِلِ، فَيَأْتِي فِيهِ مِنَ الْوَسَخِ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَأْتِي.

فَمِنْ سُنَنِ الْفِطْرَةِ -الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللهُ النَّاسَ عَلَيْهَا، هَذَا الدِّينُ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ دِينُ الْفِطْرَةِ، دِينُ النَّظَافَةِ- ((انْتِقَاصُ الْمَاءِ)): اسْتِخْدَامُ الْمَاءِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ كَمَا بَيَّنَ الرَّسُولُ ﷺ، ثُمَّ مَا يَأْخُذُهُ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ الشَّعْرِ الزَّائِدِ فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ الْمَذْكُورَةِ.

((تَقْلِيمُ الْأَظَافِرِ)): نَعَمْ.. تَقْلِيمُ الْأَظَافِرِ مِنَ الْفِطْرَةِ؛ {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30].

النَّبِيُّ ﷺ يُقِيمُ وَجْهَهُ بِأَمْرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ للِدِّينِ حَنِيفًا؛ يَعْنِي مَائِلًا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، مَائِلًا إِلَى رَبِّهِ بِكُلِّيَّتِهِ: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا}، {حَنِيفًا}؛ يَعْنِي مَائِلًا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، مَائِلًا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِكُلِّيَّتِكَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.

دِينٌ هُوَ دِينُ الْفِطْرَةِ، بَلْ هُوَ الْفِطْرَةُ، وَمِنَ الْفِطْرَةِ هَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي يُرَكِّزُ عَلَيْهَا الشَّرْعُ الْأَغَرُّ، جَاءَ بِهَا مُحَمَّدٌ ﷺ وَدَلَّ عَلَيْهَا.

 

المصدر:الْإِسْلَامُ دِينُ النَّظَافَةِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  حَضُّ الْإِسْلَامِ عَلَى التَّرَقِّي فِي الْعُلُومِ وَالصِّنَاعَاتِ
  بَادِرُوا إِلَى طَلَبِ الْعِلْمِ
  فَلَاحُ الْأُمَّةِ وَنَجَاتُهَا فِي الْأَخْذِ بِكِتَابِ رَبِّهَا
  مَفْهُومُ الْجِهَادِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالِادِّعَاءِ
  الْمُعَامَلَةُ بِالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ، وَالْعَدْلِ مَعَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسَالِمِينَ
  خُلُقُ الْوَفَاءِ
  اعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ المُؤْمِنِ قِيَامُهُ بِاللَّيْلِ
  أَهْدَافُ الْحَجِّ
  نَمَاذِجُ لِلْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ الْمَشْرُوعِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
  مَنْزِلَةُ الزَّكَاةِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  هَلْ رَأَى النَّبِيُّ رَبَّهُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ؟
  أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَشَرَفُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ
  الْحِكْمَةُ مِنَ الِابْتِلَاءِ
  مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ: طَلَبُ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمُهُ
  الْعَدْلُ أَسَاسُ الْقَضَاءِ وَالْحُكْمِ
  • شارك