آثَارٌ عَظِيمَةٌ لِلرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ عَلَى الْعَالَمِ


((آثَارٌ عَظِيمَةٌ لِلرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ عَلَى الْعَالَمِ))

إِنَّ الْإِسْلَامَ دِينُ التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ؛ فَقَدْ أَسَّسَ حَضَارَةً عَالَمِيَّةً، وَلَمْ يَتْرُكِ الْإِسْلَامُ آسْيَا الْوَثَنِيَّةَ وَأُورُبَّا الْبِيزَنْطِيَّةَ وَأَفْرِيقْيَا السَّاذَجَةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِثْلَمَا فَعَلَ سُقُوطُ رُومَا بِأُورُبَّا، بَلْ نَقَلَ الْإِسْلَامُ هَذِهِ الْقَارَّاتِ الثَّلَاثِ إِلَى حَضَارَةٍ جَدِيدَةٍ فَتِيَّةٍ قَوِيَّةٍ فِي الدِّينِ وَاللُّغَةِ وَالسِّيَاسَةِ وَالْعُلُوِّ.

فِي الْعُصُورِ الْوُسْطَى لَمْ تَشْهَدْ بِلَادُنَا وَحَضَارَتُنَا صِرَاعًا بَيْنَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَحُضُّ عَلَى الْعِلْمِ فِي شَتَّى مَيَادِينِهِ وَفُرُوعِهِ، وَلَقَدْ كَانَتْ كُلٌّ مِنْ بَغْدَادَ وَقُرْطُبَةَ حَاضِرَتَيِ الْعَالَمِ الْعِلْمِيَّتَيْنِ بِمَا فِيهِمَا مِنْ جَامِعَاتٍ وَمَكْتَبَاتٍ وَعُلَمَاءَ وَطَلَبَةِ عِلْمٍ.

وَهَذَا هُوَ (درِيبَر) يَصْفَعُهُمْ بِالْحَقِيقَةِ عِنْدَمَا قَالَ فِي كِتَابِهِ ((الْمُنَازَعَةُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ)): ((إِنَّ جَامِعَاتِ الْمُسْلِمِينَ مَفْتُوحَةٌ لِلطَّلَبَةِ الْأُورُبِّيِّينَ الَّذِينَ نَزَحُوا إِلَيْهَا مِنْ بِلَادِهِمْ لِطَلَبِ الْعِلْمِ، وَكَانَ مُلُوكُ أُورُبَّا وَأُمَرَاؤُهَا يَغْدُونَ عَلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ لِيُعَالَجُوا فِيهَا)).

لَقَدْ كَانَتْ بِلَادُنَا مَصْدَرَ إِشْعَاعٍ فِكْرِيٍّ وَعِلْمِيٍّ وَحَضَارِيٍّ تَخَطَّى إِلَى أُورُبَّا، فَأَيْقَظَهَا مِنَ السُّبَاتِ، وَبَعَثَهَا مِنَ الْعَدَمِ!!)).

إِنَّ (جِيرِبت) الْفَرَنْسِيَّ دَرَسَ فِي مَدَارِسِ إِشْبِيلِيَّةَ وَقُرْطُبَةَ، وَتَزَوَّدَ بِالْعُلُومِ الْعَرَبِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، ثُمَّ نُصِّبَ بَابَا فِي رُومَا بِاسْمِ (سِلْفِسْتَر الثَّانِي) بَابَا رُومَا مَا بَيْنَ (999 - 1003)، وَتَرْجَمَ إِلَى اللَّاتِينِيَّةِ كُتُبًا عَرَبِيَّةً كَثِيرَةً؛ لِأَنَّهُ دَرَسَ فِي مَدَارِسِ إِشْبِيلِيَّةَ وَقُرْطُبَةَ، وَأَدْخَلَ مَعَارِفَ عَرَبِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ عَلَى أُورُبَّا.

وَالْمُنْصِفُ مِنْهُمْ يَعْلَمُ لَوْ لَمْ يَظْهَرِ الْعَرَبُ عَلَى مَسْرَحِ التَّارِيخِ لَتَأَخَّرَتْ نَهْضَةُ أُورُبَّا الْحَدِيثَةُ عِدَّةَ قُرُونٍ.

إِنَّ شَمْسَ الْإِسْلَامِ سَطَعَتْ عَلَى الْغَرْبِ فِي الْعُصُورِ الْوُسْطَى، وَلَمْ تَبْدَأِ النَّهْضَةُ الْأُورُبِّيَّةُ الْحَدِيثَةُ إِلَّا بَعْدَ اطِّلَاعِ الْأُورُبِّيِّينَ عَلَى الْحَضَارَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، كَمَا أَنَّ التَّرْجَمَاتِ عَنِ الْعَرَبِيَّةِ كَانَتِ الْمَصْدَرَ الْوَحِيدَ لِلتَّدْرِيسِ فِي جَامِعَاتِ أُورُبَّا نَحْوَ سِتَّةِ قُرُونٍ.

وَيُمْكِنُ الْقَوْلُ: إِنَّ تَأْثِيرَ الْمُسْلِمِينَ فِي بَعْضِ الْعُلُومِ كَعِلْمِ الطِّبِّ -مَثَلًا- دَامَ إِلَى زَمَنٍ مُتَأَخِّرٍ جِدًّا، بَقِيَتْ كُتُبُ ابْنِ سِينًا تُدَرَّسُ فِي (جَامِعَةِ مُونْبِيلِي) فِي فَرَنْسَا إِلَى أَوَاخِرِ الْقَرْنِ التَّاسِعَ عَشَرَ!!

وَمَاذَا بَعْدَ شَهَادَةِ (جُوسْتَاف لُوبُو) الَّذِي تَمَنَّى لَوْ أَنَّ الْعَرَبَ اسْتَوْلَوْا عَلَى فَرَنْسَا لِتَغْدُوَ بَارِيسُ مِثْلَ قُرْطُبَةَ فِي إِسْبَانِيَا مَرْكَزًا لِلْحَضَارَةِ وَالْعِلْمِ، حَيْثُ كَانَ رَجُلُ الشَّارِعِ فِي قُرْطُبَةَ يَكْتُبُ وَيَقْرَأُ وَيقْرِضُ الشِّعْرَ -أَحْيَانًا- فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ فِيهِ -كَمَا يَقُولُ (لُوبُو)، كَانَ فِيهِ- مُلُوكُ أُورُبَّا لَا يَعْرِفُونَ كِتَابَةَ أَسْمَائِهِمْ وَيَبْصُمُونَ بِأَخْتَامِهِمْ!!

وَيُضِيفُ (لُوبُو) سَاخِرًا مِمَّنْ يُقَارِنُ الْعَرَبَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْعُصُورِ الْوُسْطَى بِالْأُورُبِّيِّينَ: ((فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ قَدْ كَانَ الْوَضْعُ عَلَى عَكْسِ الْوَقْتِ الْحَاضِرِ تَمَامًا!!

الْعَرَبُ هُمُ الْمُتُحَضِّرُونَ وَالْأُورُبِّيُّونَ هُمُ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَلَا أَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَنَّنَا نُسَمِّي تَارِيخَ أُورُبَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الْعُصُورَ الْمُظْلِمَةَ))، هَذَا كَلَامُهُ؛ إِنَّ عُصُورَ أُورُبَّا الْوُسْطَى عُصُورٌ مُظْلِمَةٌ يَقِينًا.

 

المصدر: عَالَمِيَّةُ الرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ كَمَا يَجِبُ أَنْ نَفْهَمَهَا

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الْحَثُّ عَلَى وَحْدَةِ الصَّفِّ فِي الْوَطَنِ الْإِسْلَامِيِّ وَثَمَرَاتُهَا
  لَنْ تُوَفِّيَ أُمَّكَ حَقَّهَا!!
  خَطَرُ الْخِيَانَةِ عَلَى الْأَوْطَانِ
  شَهَادَاتُ الْمُنْصِفِينَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِرَحْمَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَالْإِسْلَامِ
  فَضَائِلُ رِعَايَةِ الْأَيْتَامِ وَالْحَثُّ عَلَيْهَا فِي السُّنَّةِ
  الْوَفَاءُ بِالْعُقُودِ وَالْعُهُودِ فِي الْقُرْآنِ
  الدرس التاسع والعشرون : «التَّعَاوُنُ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى»
  الْعَمَلُ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ سَبِيلُ الْفَلَاحِ
  يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ إِكْمَالِ اللهِ لِنَبِيِّهِ وَأُمَّتِهِ الدِّينَ
  عِظَمُ خُلُقِ الْوَفَاءِ
  فَهْمُ مَقَاصِدِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ
  أَنْوَاعُ الْوَفَاءِ
  الْوَعْيُ بِتَحَدِّيَّاتِ الْوَطَنِ الرَّاهِنَةِ وَسُبُلِ مُوَاجَهَتِهَا
  دِينُ الِاسْتِقَامَةِ وَالتَّوَازُنِ
  عَدْلُ الْإِسْلَامِ مَعَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ
  • شارك