تاريخ النشر الإثنين,24 رجب 1439 / 09 أبريل 2018

تفريغ خطبة أَهَمِّيَّةُ الدَّعْوَةِ لِلتَّوْحِيدِ


الْخُطْبَةُ الْأُولَى

((أَهَمِّيَّةُ الدَّعْوَةِ لِلتَّوْحِيدِ))

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُه، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

((إِصْلَاحُ الْعَقِيدَةِ سَبِيلُ إِصْلَاحِ الْأُمَّةِ))

فَإِصْلَاحُ الْعَقِيدَةِ -عِبَادَ اللهِ- هُوَ أَوَّلُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْقَدَ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ فِي أَخْذٍ بِأَسْبَابِ إِصْلَاحِ الْأُمَّةِ.

يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَ أُمُورَ التَّوْحِيدِ، وَأَنْ نَلْتَزِمَ بِالتَّوْحِيدِ فِي كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَلَّغَنَا عَنْ رَبِّنَا -جَلَّ وَعَلَا- أَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ، وَبَيَّنَ لَنَا نَبِيُّنَا ﷺ فَضْلَ التَّوْحِيدِ، وَعَظِيمَ أَثَرِهِ فِي النَّفْسِ، وَفِي الْمَآلِ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 ((رِسَالَةُ التَّوْحِيدِ رِسَالَةُ الْأَنْبِيَاءِ أَجْمَعِينَ))

إِنَّ اللهَ تَعَالَى بَعَثَ رَسُولَهُ ﷺ بِمَا بَعَثَ بِهِ إِخْوَانَهُ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ مِنْ قَبْلِهِ، بَعَثَهُمْ جَمِيعًا بِرِسَالَةِ التَّوْحِيدِ؛ لِتَكُونَ الْعِبَادَةُ للهِ تَعَالَى وَحْدَهُ.

وَكُلُّهُمْ -صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ- قَالُوا لِأَقْوَامِهِمْ: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59].

وَالرَّسُولُ ﷺ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ.

لَيْسَ مَقْصُودُ الرَّسُولِ ﷺ أَنْ يَقُولُوا هَذِهِ الْكَلِمَةَ بِأَلْسِنَتِهِمْ، إِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنْ يَقُولُوا هَذِهِ الْكَلِمَةَ مَعَ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ بِمَعْنَاهَا، وَتَحْقِيقِهَا وَالْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا، وَالْبُعْدِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ يُنَافِيهَا.

((أَهَمِّيَّةُ التَّوْحِيدِ وَثَمَرَاتُهُ))

عِبَادَ اللهِ! بَالتَّوحِيدِ يُقْبَلُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَمِنْ غَيْرِ التَّوْحِيدِ لَا يُقْبَلُ عَمَلٌ، كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، فَكَذَلِكَ الْأَعْمَالُ لَا تَصِحُّ بِغَيْرِ التَّوْحِيدِ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ} [المائِدَة: 36].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 56].

فَقَبُولُ الْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ الصَّالِحَةِ، مُتَوَقِّفٌ عَلَى التَّوْحِيدِ.

التَّوْحِيدُ فِيهِ الْأَمْنُ وَالْأَمَانُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ}: أَيْ بِشِرْكٍ {أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: 82].

بِالتَّوْحِيدِ تَكُونُ الْعِزَّةُ، وَيَتَحَقَّقُ النَّصْرُ فِي الدُّنْيَا، وَتَكُونُ عِزَّةُ الْمَرْءِ فِي الْآخِرَةِ، كُلُّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِتَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ.

{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51].

{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عِمْرَان: 139].

فَالْعِزَّةُ وَالنَّصْرُ دُنْيَا وَآخِرَةً لَا يَتَحَقَّقَانِ إِلَّا بِتَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ.

إِنَّ التَّوْحِيدَ يُحَرِّرُ الْعَبْدَ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ؛ لِيَكُونَ عَبْدًا للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحْدَهُ.

فَالتَّوْحِيدُ الْمُحَقَّقُ الصَّافِي يُحَرِّرُ الْإِنْسَانَ مِنَ التَّعَلُّقِ بِغَيْرِ اللهِ؛ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، وَالْآلِهَةِ الْمُدَّعَاةِ الْبَاطِلَةِ.

وَيَجْعَلُ التَّوْحِيدُ الْإِنْسَانَ شَاعِرًا بِعِزَّتِهِ وَكَرَامَتِهِ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ فِي تَحْقِيقِ عُبُودِيَّتِهِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَهُ وَبَرَأَهُ وَسَوَّاهُ.

التَّوْحِيدُ يُحَرِّرُ عَقْلَهُ -كَمَا حَرَّرَ قَلْبَهُ- يُحَرِّرُ عَقْلَهُ مِنَ الْخُرَافَاتِ، مِنَ التُّرَّهَاتِ، مِنَ الْخُزَعْبَلَاتِ، حَتَّى لَا يَخَافَ إِلَّا مِنَ اللهِ، وَلَا يَرْجُوَ إِلَّا اللهَ، وَلَا يَتَعَلَّقَ بِغَيْرِ اللهِ، وَهَذِهِ مِنْ أَعْظَمِ ثَمَرَاتِ التَّوْحِيدِ وَأَفْضَالِهِ.

وَأَعْظَمُ ثَمَرَةٍ مِنْ ثَمَرَاتِ التَّوْحِيدِ: دُخُولُ الْجَنَّةِ، فَالْجَنَّةُ لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا مُوَحِّدٌ، حَرَّمَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ: {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا} [الطَّلَاق: 11].

وَأَمَّا الْمُشْرِكُ؛ فَهُوَ مُوَزَّعُ الْقَلْبِ، مُقَلْقَلُ الْبَالِ، لَا يَهْدَأُ لَهُ ضَمِيرٌ، وَلَا يَسْتَقِرُّ عَلَى حَالٍ؛ لِأَنَّ الشِّرْكَ يُحَرِّمُ عَلَى صَاحِبِهِ دُخُولَ الْجَنَّةِ، وَيُوجِبُ لَهُ النَّارَ وَالْخُلُودَ فِيهَا، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَهُوَ فِي الْحَيَاةِ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُوَ أَضَلُّ، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ.

{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة: 72].

{إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا} [النِّسَاء: 48].

إِنَّ الشِّرْكَ يُطْفِئُ نُورَ الْفِطْرَةِ: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)} [التِّين: 4-6].

قَدْ بَيَّنَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بَعْضَ عَنَاصِرِ تَكْوِينِ الْإِنْسَانِ: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)} [ص: 71-72].

وَالرُّوحُ لَا تَتَحَرَّرُ إِلَّا بِتَحْقِيقِ مَا خُلِقَتْ لَهُ، وَجُعِلَتْ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ كَفَرَ وَأَشْرَكَ بِاللهِ غَيْرَهُ، فَهُوَ كَمَا قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} [التين: 5].

إِنَّ الشِّرْكَ مَهَانَةٌ لِلْإِنْسَانِيَّةِ، وَقَضَاءٌ عَلَى عِزَّةِ النَّفْسِ، وَسَبَبٌ لِلذِّلَّةِ وَالْمَهَانَةِ دُنْيَا وَآخِرَةً، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8]، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ؛ فَلَا عِزَّةَ لَهُ.

اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ خَلَقَ الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَلَا تَتَحَقَّقُ فِيهِمُ الْإِنْسَانِيَّةُ الْحَقَّةُ إِلَّا إِذَا حَقَّقُوا الْغَرَضَ الَّذِي لِأَجْلِهِ خَلَقَهُمُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-، وَإِذَا لَمْ يُحَقِّقُوهُ تَمَزَّقَتْ نُفُوسُهُمْ.

الشِّرْكُ يُمَزِّقُ وَحْدَةَ النَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ.

{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام: 163].

اعْلَمُوا -عِبَادَ اللهِ- أَنَّهُ لَا يُلَوِّثُ النَّفْسَ، وَلَا يُفْسِدُ الْفِكْرَ، وَلَا يُضَيِّعُ الْعَقْلَ، وَلَا يُضَيِّعُ الدُّنْيَا، وَلَا يَهْدِمُ الدِّينَ إِلَّا الشِّرْكُ، فَكُونُوا مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

((تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ سَبِيلُ الصَّلَاحِ فِي الْأَرْضِ))

فَالْمَصْلَحَةُ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ إِنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِمَا يَتَحَقَّقُ بِهِ نَفْيُ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَنَفْيُ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ بِتَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأَعْرَاف: 56].

فَلَا يَتَحَقَّقُ الصَّلَاحُ فِي الْأَرْضِ، وَلَا يَنْتَفِي الْفَسَادُ مِنْهَا إِلَّا بِتَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ فِيهَا، الَّذِي لِأَجْلِهِ خَلَقَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْخَلْقَ، فَأَوَّلُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُرَاعَى مِنَ الْمَصَالِحِ الْعُلْيَا هُوَ: تَحْقِيقُ دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ فَبِهِ تَتَحَقَّقُ الْمَصْلَحَةُ، وَبِهِ تَنْتَفِي الْمَفْسَدَةُ.

((وَظِيفَةُ الْأُمَّةِ تَعَلُّمُ التَّوْحِيدِ وَتَعْلِيمُهُ وَالدَّعْوَةُ إِلَيْهِ))

عِبَادَ اللهِ! كَمَا أَنَّ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُكَمِّلَ التَّوْحِيدَ فِي نَفْسِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُكَمِّلَ التَّوْحِيدَ فِي غَيْرِهِ، عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِتَوْحِيدِ اللهِ، وَأَنْ يَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ اللهِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَكُلُّ مَنْ اهْتَدَى عَلَى يَدَيْهِ فَلَهُ مِثْلُ أُجُورِهِمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ.

وَإِذَا كَانَتِ الدَّعْوَةُ إِلَى اللهِ، وَإِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فَرْضًا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، كَانَ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ بِحَسَبِ مَقْدُورِهِ.

فَعَلَى الْعَالِمِ بَيَانُ ذَلِكَ وَالدَّعْوَةُ وَالْإِرْشَادُ وَالْهِدَايَةُ أَعْظَمُ مِمَّا عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ لَيْسَ بِعَالِمٍ، وَعَلَى الْقَادِرِ بِبَدَنِهِ وَيَدِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ جَاهِهِ وَقَوْلُهُ أَعْظَمُ مِمَّنْ عَلَى مَنْ لَيْسَتْ لَهُ تِلْكَ الْقُدْرَةِ، قَالَ تَعَالَى: {فَاتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا استَطَعتُم} [التغابن: 16].

وَرَحِمَ اللهُ مَنْ أَعَانَ عَلَى الدِّينِ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ، وَإِنَّمَا الْهَلَاكُ فِي تَرْكِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ مِنَ الدَّعْوَةِ إِلَى هَذَا الدِّينِ الْمَتِينِ، الَّذِي صَحَّ فِيهِ قَوْلُ الْقَائِلِ مِنْ سَلَفِنَا الصَّالِحِينَ: ((يَا لَهُ مِنْ دِينٍ، لَو كَانَ لَهُ رِجَالٌ)).

إِنَّ الدَّعْوَةَ فِي حَقِيقَتِهَا دَعْوَةٌ إِلَى تَوْحِيدِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ خَلَاصَنَا وَنَجَاتَنَا أَفْرَادًا وَأُمَّةً، إِنَّمَا هُوَ بِتَوْحِيدِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَلَا تَخْلُصُ النَّفْسُ مِنْ أَوْهَامِهَا وَخُرَافَاتِهَا، وَلَا مِنْ خَلَقِهَا وَتَوَتُّرِهَا وَاضْطِرَابِهَا، وَلَا تَخْلُصُ النَّفْسُ مِنْ رَجَائِهَا سِوَى مَوْلَاهَا، وَاتِّكَالِهَا عَلَى غَيْرِهِ، إِلَّا بِتَوْحِيدِهِ -جَلَّ وَعَلَا-، حَتَّى يَكُونَ الْمَرْءُ عَابِدًا للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.

 

التعليقات


خطب قد تعجبك


  • شارك