تاريخ النشر الخميس,08 شوال 1439 / 21 يونيو 2018

تفريغ خطبة مَعْنَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ


 ((مَعْنَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ))

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُه، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

((خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ))

فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ، كَمَا قَالَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].

وَالْعِبَادَةُ: هِيَ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ.

وَكَمَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِعِبَادَتِهِ، نَهَى عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].

وَقَدْ بَيَّنَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَنَّ مَنْ وَحَّدَهُ، وَأَخْلَصَ الْعِبَادَةَ لَهُ، وَلَمْ يَخْلِطْ إِيمَانَهُ بِشِرْكٍ كَانَ مِنَ الْآمِنِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، الْمُهْتَدِينَ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.

عِبَادَ اللهِ! أَوَّلُ وَاجِبٍ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَشْهَدَ أَنْ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ))، أَنْ يَعْبُدَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَحْدَهُ، وَلَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا.

((مَعْنَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ))

قَالَ جِبْرِيلُ (سلم): يَا مُحَمَّدُ! أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ.

فَقَالَ: ((أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)).

فَهَذِهِ أَرْكَانُ الْإِسْلَامِ, وَأَرْكَانُ الْإِسْلَامِ خَمْسَةٌ، كَمَا بَيَّنَهَا الرَّسُولُ ﷺ فِي هَذَا الْحَدِيثِ.

قَالَ: صَدَقْتَ.

قَالَ عُمَرُ: فَعَجِبْنَا لَهُ، يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ.

لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي السَّائِلِ أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِمَا يَسْأَلُ عَنْهُ، فَإِذَا كَانَ جَاهِلًا بِمَا يَسْأَلُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَا يُصَدِّقُ حِينَئِذٍ الْمُجِيبَ إِذَا أَجَابَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُصَدِّقَ وَلَا أَنْ يُكَذِّبَ، وَإِنَّمَا يَتَقَبَّلُ مَا أَتَاهُ مِمَّنْ سَأَلَهُ مِنَ الْإِجَابَةِ عَنْ سُؤُالِهِ، فَإِنْ كَانَ ثِقَةً عِنْدَهُ؛ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ كَلَامَهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ يَسْتَرِيبُ وَيَشُكُّ فِي كَلَامِهِ.

النَّبِيُّ ﷺ لَمَّا أَجَابَهُ، قَالَ لَهُ : صَدَقْتَ.

قَالَ عُمَرُ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ.

فَالنَّبِيُّ ﷺ ذَكَرَ أَرْكَانَ الْإِسْلَامِ الْخَمْسَةَ، وَبَدَأَ بِالشَّهَادَتَيْنِ، أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّكَ يَنْبَغِي عَلَيْكَ أَنْ تُقِرَّ إِقْرَارًا جَازِمًا لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَا مِرْيَةَ تَعْتَرِيهِ أَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- هُوَ الْإِلَهُ الْحَقُّ، وَهُوَ الْمَعْبُودُ وَحْدَهُ مِنْ دُونِ جَمِيعِ مَا يُعْبَدُ مِنْ أَصْنَافِ الْخَلْقِ.

((أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ))، فَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مَعْنَاهَا: لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا اللهُ.

فَكُلُّ مَعْبُودٍ دُونَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَكُلُّ مَعْبُودٍ سِوَاهُ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَعِبَادَتُهُ مَرْدُودَةٌ عَلَى عَابِدِهِ، فَلَا يُعْبَدُ إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَحْدَهُ.

*((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)) نَفْيٌ وَإِثْبَاتٌ:

فَـ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)) مُتَضَمِّنَةٌ لِلْكُفْرِ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)) إِثْبَاتُ الْعِبَادَةِ للهِ وَحْدَهُ، وَالْبَرَاءَةُ مِنْ كُلِّ مَعْبُودٍ سِوَاهُ، وَهَذَا مَعْنَى الْكُفْرِ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْكُفْرِ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ: الْبَرَاءَةُ مِنْهُ، وَاعْتِقَادُ بُطْلَانِهِ.

وَهَذَا مَعْنَى الْكُفْرِ بِالطَّاغُوتِ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة: 256].

وَالطَّاغُوتُ: اسْمٌ لِكُلِّ مَعْبُودٍ سِوَى اللهِ تَعَالَى، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].

النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ هُوَ التَّوْحِيدُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَأُنْزِلَتْ بِهِ الْكُتُبُ.

وَهُوَ إِثْبَاتُ الْإِلَهِيَّةِ للهِ وَحْدَهُ: بِأَنْ يَشْهَدَ أَنْ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ))، وَلَا يَعْبُدَ إِلَّا إِيَّاهُ، وَلَا يَتَوَكَّلَ إِلَّا عَلَيْهِ، وَلَا يُوَالِيَ إِلَّا لَهُ، وَلَا يُعَادِيَ إِلَّا فِيهِ، وَلَا يَعْمَلَ إِلَّا لِأَجْلِهِ.

وَلِذَلِكَ يَتَضَمَّنُ التَّوْحِيدُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ إِثْبَاتَ مَا أَثْبَتَهُ تَعَالَى لِنَفْسِهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.

فَإِثْبَاتُ الْإِلَهِيَّةِ للهِ وَحْدَهُ، وَنَفْيُ الْإِلَهِيَّةِ عَمَّا سِوَى اللهِ.

وَالْإِلَهُ: الَّذِي يَأْلَهُهُ الْقَلْبُ؛ عِبَادَةً لَهُ، وَاسْتِعَانَةً بِهِ، وَرَجَاءً لَهُ، وَخَشْيَةً وَإِجْلَالًا وَإِكْرَامًا.

فَالتَّوْحِيدُ هُوَ أَصْلُ الدِّينِ.

وَكَلِمَةُ التَّوْحِيدِ هِيَ أَعْظَمُ الْكَلَامِ وَأَفْخَمُهُ، وَأَجَلُّهُ وَأَكْرَمُهُ.

وَحَقِيقَةُ تَفْسِيرِ التَّوْحِيدِ: الْعِلْمُ وَالِاعْتِرَافُ بِتَفَرُّدِ الرَّبِّ بِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَإِخْلَاصُ الْعِبَادَةِ لَهُ.

فَقَوْلُكَ: ((الْعِلْمُ وَالِاعْتِرَافُ بِتَفَرُّدِ الرَّبِّ بِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ)): يَجْمَعُ التَّوْحِيدَ الْعِلْمِيَّ، يَجْمَعُ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ وَتَوْحِيدَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.

وَقَوْلُكَ: ((وَإِخْلَاصُ الْعِبَادَةِ لَهُ)): هَذَا هُوَ تَوْحِيدُ الْعِبَادَةِ، هُوَ تَوْحِيدُ الْأُلُوهِيَّةِ، وَذَلِكَ يَرْجَعُ إِلَى أَمْرَيْنِ:

إِلَى نَفْيِ الْأُلُوهِيَّةِ كُلِّهَا عَنْ غَيْرِ اللهِ؛ بِأَنْ يَعْلَمَ الْعَبْدُ وَيَعْتَقِدَ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْإِلَهِيَّةَ وَلَا شَيْءَ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ، لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَلَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلَا غَيْرُهُمَا، وَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْخَلْقِ فِي ذَلِكَ حَظٌّ وَلَا نَصِيبٌ.

فَهَذَا هُوَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ: نَفِيُ الْأُلُوهِيَّةِ عَنْ كُلِّ مَنْ وَمَا سِوَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

وَالْأَمْرُ الثَّانِي: إِثْبَاتُ الْأُلُوهِيَّةِ للهِ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنْ تُثْبِتَ لَهُ تَفَرُّدَهُ بِمَعَانِي الْأُلُوهِيَّةِ كُلِّهَا، وَهِيَ نُعُوتُ الْكَمَالِ، وَصِفَاتُ الْجَلَالِ، وَشِيَاتُ الْجَمَالِ.

وَلَا يَكْفِي هَذَا الِاعْتِقَادُ وَحْدَهُ حَتَّى يُحَقِّقَهُ الْعَبْدُ بِإِخْلَاصِ كَلِمَةِ الدِّينِ للهِ، حَتَّى يَقُومَ بِالْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ، وَبِحُقُوقِ اللهِ وَبِحُقُوقِ خَلْقِهِ، قَاصِدًا بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ، وَطَالِبًا رِضْوَانَهُ وَثَوَابَهُ.

وَأَنْ يَعْلَمَ الْعَبْدُ أَنَّ تَمَامَ تَفْسِيرِ وَتَحْقِيقِ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)) بِالْبَرَاءَةِ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللهِ، وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اتِّخَاذَ أَنْدَادٍ يُحِبُّهُمْ كَحُبِّ اللهِ، أَوْ يُطِيعُهُمْ كَطَاعَةِ اللهِ، أَوْ أَنْ يَعْمَلَ لَهُمْ كَمَا يَعْمَلُ للهِ، كُلُّ ذَلِكَ يُنَافِي ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)) أَشَدَّ الْمُنَافَاةِ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

(( ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)) كَلِمَةُ الْإِسْلَامِ وَمِفْتَاحُ دَارِ السَّلَامِ))

فَقَدْ قَالَ الشَّيخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِنْ حَسَن، فِي ((مَجْمُوعَةِ الرَّسَائِلِ وَالمسَائِلِ النَّجْدِيَّةِ)) :

((اعْلَمْ أَنَّ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)) كَلِمَةُ الْإِسْلَامِ وَمِفْتَاحُ دَارِ السَّلَامِ، وَقَدْ سَمَّاهَا اللهُ تَعَالَى: كَلِمَةَ التَّقْوَى، وَسَمَّاهَا: الْعُرْوَةَ الْوُثْقَى، وَهِيَ كَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ الَّتِي جَعَلَهَا إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ.

وَمَضْمُونُ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)) نَفْيُ الْإِلَهِيَّةِ عَمَّا سِوَى اللهِ، وَإِخْلَاصُ الْعِبَادَةِ بِجَمِيعِ أَفْرَادِهَا وَأَنْوَاعِهَا للهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، كَمَا قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [الزخرف: 26-27].

وَقَالَ عَنْ يُوسُفَ: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [يوسف: 38]، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهَا: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 40].

وَقَالَ تَعَالَى لِخَاتَمِ رُسُلِهِ وَصَفْوَةِ أَنْبِيَائِهِ : {قُل إِنَّمَا أُمِرتُ أَن أَعْبُدَ ٱللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ} [الرعد: 36].

وَقَالَ: {أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا ٱللَّهَ} [هود: 2].

وَقَالَ: {إِنَّ إِلَٰهَكُم لَوَٰحِد رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ وَمَا بَينَهُمَا وَرَبُّ ٱلمَشَٰرِقِ} [الصافات: 5].

وَقَدْ تَفَاوَتَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ بِحَسَبِ حَالَهُمْ عِلْمًا وَعَمَلًا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُهَا وَهُوَ يَجْهَلُ مَدْلُولَهَا وَمُقْتَضَاهَا فَلَا يَعْرِفُ الْإِلَهَ الْمَنْفِيَّ بِأَدَاةِ النَّفْيِ، وَلَا الْإِلَهِيَّةَ الْمُثْبَتَةَ للهِ تَعَالَى، فَهَذَا لَا تَنْفَعُهُ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)) بِلَا رَيْبٍ؛ تَجِدُهُ يَأْتِي بِمَا يُنَاقِضُهَا وَهُوَ لَا يَدْرِي.

 ((تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ عَلَى خَطَأٍ فِي مَعْنَى ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)) ))

عِبَادَ اللهِ! الْمَعْبُودَاتُ كَثِيرَةٌ، لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَقُولُ مَعْنَى ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ))؛ أَيْ لَا إِلَهَ مَوْجُودٌ إِلَّا اللهُ!! الْآلِهَةُ الْمَوْجُودَةُ كَثِيرَةٌ، حَتَّى فِي عَصْرِنَا هَذَا ، فِي الْهِنْدِ يَعْبُدُونَ الْأَبْقَارَ، وَفِي أَفْرِيقِيَا يَعْبَدُونَ الْأَشْجَارَ وَالْأَحْجَارَ.

وَهُنَالِكَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ الْكَوَاكِبَ، وَهُنَالِكَ مَنْ يَعْبُدُ الْبَشَرَ كَعِيسَى وَالْعُزَيْر، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعْبُودَاتِ، مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَمِنَ الْإِنْسِ، بَلْ وَمِنَ الْجِنِّ!!

يَعْبُدُونَ الْجِنَّ مِنْ دُونِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، يَذْبَحُونَ لَهُمْ، وَيُقَرِّبُونَ لَهُمْ الْقَرَابِينَ، وَيَخَافُونَ مِنْهُمْ خَوْفًا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إِلَّا مِنَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، كَمَا يَحْدُثُ كَثِيرًا إِذَا اشْتَرَى الْمَرْءُ بَيْتًا وَأَرَادَ أَنْ يَصْرِفَ الْجِنَّ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَعْتَادُ فِي كُلِّ عَامٍ فِي وَقْتِ شِرَاءِ الْبَيْتِ أَنْ يَذْبَحَ ذَبِيحَةً لِلْجِنِّ!!

الذَّبْحُ لِغَيْرِ اللهِ شِرْكٌ يُخْرِجُ مِنَ الْمِلَّةِ.

فَالنَّبِيُّ ﷺ ذَكَرَ أَوَّلَ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ: الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ، الَّتِي يَدْخُلُ بِهَا الْكَافِرُ دِينَ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ؛ الْكَافِرُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ دِينَ الْإِسْلَامِ يَنْبَغِي عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ أَنْ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)).

نَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ الْمُوَحِّدِينَ، وَأَنْ يُحَقِّقَ فِينَا التَّوْحِيدَ، وَأَنْ يُحَقِّقَنَا بِالتَّوْحِيدِ، وَأَنْ يُحْيِيَنَا عَلَى التَّوْحِيدِ، وَأَنْ يَقْبِضَنَا عَلَى التَّوْحِيدِ، وَأَنْ يَحْشُرَنَا فِي زُمْرَةِ الْمُوَحِّدِينَ خَلْفَ إِمَامِ الْمُوَحِّدِينَ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

التعليقات


خطب قد تعجبك


  • شارك