تفريغ مقطع : ((مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَالا يَعْنِيهِ))

((مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَالا يَعْنِيهِ))
فإن من أعظمِ آفات اللسان: الكلام فيما لا يعني:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَالا يَعْنِيهِ)). 
أخرجه الترمذيُّ وابن ماجه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، وأخرجه أحمد والطبرانيُّ في (الكبير) عن الحسين ابن علي -رضي الله عنهما-، وصححه الألبانيُّ في (صحيحِ الجامع) وغيرُه.
وهذا الحديثُ العظيم: ((مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَالا يَعْنِيهِ)) أصلٌ كبيرٌ في تأديبِ النفس وتهذيبها، وتركِ ما لا جدوى فيه ولا نَفْع.
قال ابن رجبٍ -رحمه الله-: ((هذا الحديثُ أصلٌ عظيمٌ من أصولِ الأدب، وقد حكى الإمام أبو عمرو بن الصلاح عن أبي مُحمد بن أبي زيد إمام المالكية في زمانهِ أنه قال: جِماعُ آدابِ الخير وأزِمَّتُه تتفرعُ من أربعة أحاديث: 
قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فليقُل خيرًا أو ليَصْمُت)).
وقوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَالا يَعْنِيهِ)) 
وقوله -صلى الله عليه وآله وسلم- للذي اختصر له الوصية: ((لا تغضب)).
وقوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((المؤمن يحبُّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه)).
وهذا الحديث قد ورد معناه في الكتاب والسُّنة من غير وجه.
قال الله -جل وعلا-: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} ]الإسراء: 36[
وقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)). متفقٌ عليه.
وفي كتاب (الرِّقاق) من صحيح البخاري باب: ما يُكره من قيل وقال، ثم أتبعه بباب: حِفظ اللسان ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقُل خيرًا أو ليصمت. 
وكذا قوله -جل وعلا-: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ]ق: 18[.
((مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَالا يَعْنِيهِ)): 
من مظاهر حُسنِ إسلامِ المرء ومن أدلةِ كماله، وصِدقِ إيمان صاحبه، والتزامهِ بدينِ ربِّه -جلَّ وعلا- قولًا وعملًا، فهذا معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ)). 
والمرء: هو الإنسانُ أو الشخص وهو شاملٌ للذكر والأنثى، ((ترْكُه)): أي ابتعاده قبل وقوعه فيما لا يعنيه وذلك بالتوقِّي منه، وأيضًا بعد وقوعه فيه وذلك بالتوبةِ منه، ((ما لا يعنيه)): أي ما لا يُهمُّه أو ينفعه في دينه ودنياه من الأقوالِ والأعمال.
وقد عدَّ حمزةُ الكنانيُّ هذا الحديث العظيم ثُلُثَ الإسلام.
كما عدَّه أبو داوود أحدَ أحاديث أربعة يدورُ عليها العلم.
وذكر ابن القيم أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- جَمَعَ الورعَ كله في هذا الحديث.
وعدَّ بعضُ العلماءِ هذا الحديث من جوامعِ كَلِمِ نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- التي لم يَصح نظيرها عن أحدٍ قبله؛ لأنه جمع نِصفَ الدين؛ لأن الدين فعلٌ وتَرْك، وقد نص على التَرْك، وقال بعضهم لقد جمع الدين كله؛ لأنه نصَّ على التَرْك ودلَّ على الفعل.
وقال ابن القيم: ((فهذا يعمُّ التَرْكَ لِمَا لا يعني من الكلام، والنظر، والاستماع، والبطش، والمشي، والفكر، وسائر الحركات الظاهرة والباطنة، فهذه كلمةٌ كافية في الورع: ((مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَالا يَعْنِيهِ)).
https://youtu.be/c_OwhziJFcM 

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك