تفريغ مقطع : هل تدري معنى أنك ستموت؟!

 لو أنَّ الإنسانَ آمنَ بالبعثِ إيمانًا صحيحًا لاستقامَت حياتُهُ، فإنَّ اللهَ يبعثُكَ وهو سَائِلُكَ عن كلِّ ما قَدَّمْتَ وما أَخَرْتَ وَمَا أسرَرْتَ وما أَعْلَنْتَ، اللهُ –عز وجل- سيُحاسبُكَ عمَّا كان منكَ في الفُسْحَةِ التي آتاكَ في هذه الحياةِ في مُدَّةِ عُمُرِكَ.
 لو أنَّ الإنسانَ آمنَ بذلك إيمانًا صحيحًا لاستقامت حياتُهُ، ولكنْ كما قالَ الحسنُ البصري –رحمهُ اللهُ تعالى-، حتى فيما يَتَعَلَّقُ بِالمَوتِ، فإنه ما مِن إنسانٍ إلَّا وهو على يقينٍ تامٍّ بأنه سيموتُ.
هل تعلمُ إنسانًا لا يُوقِنُ بأنه سيموت؟!
 كلُّ الناسِ مُوقِنُونَ بأنهم سيموتون، ومِن عَجَبٍ أنهم لا يدرُونَ أنهم متى يموتون! ولا يعلمون الكيفيةَ التي يموتونَ عليها! ولا المكانَ الذي يموتونَ فيه! كلُّ ذلك لا يَعْلَمُونَهُ، هُم به جاهلون، وهُم مُتَيِّقنُونَ أنهم سيموتون، وأمَّا أعمالُهُم فأعمالُ المُخَلَّدِين، لذلك قال الحسنُ البصريُّ –رحمهُ اللهُ-: ((لَم أَرَى حقًّا لا رَيْبَ فيه أَشْبَهَ بِبَاطِلٍ لا رَيْبَ فيه مِن الموتِ)).
 فهذه الأمورُ لا بُدَّ مِن أنْ تخرُجَ مِن حيِّزِ العَقْلِ إلى حَيِّزِ الوجْدَانِ؛ لأنَّ كثيرًا مِن الأشياءِ يَعْلَمُهَا الإِنْسَانُ عِلْمًا عَقْلِيًّا، ولا ينفعلُ بها انفعالًا وجدانيًّا، فتكونُ دائمًا في هامشِ الشعورِ، وهذا مِن أخطرِ ما يكونُ على العبدِ في حياتِهِ وفي مآلِهِ، فالإنسانُ مَثَلًا إذا قيلَ له -وهو يطلبُ العلم-: ما معنى شهادةِ أن لا إله إلَّا الله؛ انطلقَ كالسهمِ، فيُسَمِّعُنَا ما قد حَفَظَ وجعلَ على ظهرِ قلبِهِ مِمَّا يتعلقُ بما تعلَّمَهُ، وكذلك ما معنى شهادةِ أنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ، فإذا تأمَّلْتَ في أحوالِهِ أو تَأَمَّلَ هو فيها مِن ظَاهِرٍ وَبَاطِنٍ؛ وَجَدَ أنه لا يُحَقِّقُ مِن ذلك شيئًا، وهذا خطيرٌ في الحالِ وفي المآلِ كذلك، ما الذي جعلَ ذلك كذلك؟
أننا نكتفي في كثيرٍ مِن الأحيانِ، بَلْ في غَالبِهَا بالمعرفةِ العقليةِ المُجَرَّدَةِ، نحن نعرفُ أننا سنموتُ، فكان ماذا؟!!
 الذين تحقَّقُوا مِن هذا تحقُّقًا صحيحًا؛ ما تَلَذَّذُوا بالنِّسَاءِ على الفُرُشِ، وما تَمَتَّعُوا بشيءٍ، ما سَاغَ لَهُم طعامٌ ولا شرابٌ، سيموت، تدري ما معنى أنك ستموت؟!!
 ستموت، ثُمَّ تُدَسُّ في قَبْرِكَ وَحْدَكَ في الوَحْدَةِ والوَحْشَةِ، وَيَأْتِيكَ مَنْ يَسْأَلُكَ، ولا بُدَّ أنْ تُجيبَ بشيءٍ أو ألَّا تُجِيبَ، وأنت تعلمُ يقينًا ما سيكون، فماذا صَنَعْتَ؟!!
لم نَصنَع شيئًا!!
كذلك نعرفُ مِن أوصافِ الجنةِ والنارِ ما نعلمُ، فكان ماذا؟!!
 إنَّ النبيَّ –صلى اللهُ عليه وآلِهِ وسلم- لمَّا ذَكَرَ النَّارَ، قَالَ إِنَّهَا فَضَلَت على نَارِ الدنيا بِسَبْعِينَ ضِعْفًا أو بتِسْعَةٍ وستين، ((فنارُكُم هذه –يعني نارَ الدنيا- جزءٌ مِن سبعينَ جُزءً مِن نارِ الآخرة)).
قالوا: والله إنْ كانت لكافية يا رسول الله.
 فالإنسانُ إذا ما تأملَ في هذا، الإنسانُ لا يتحملُ الاقترابَ مِن نَارِ الدنيا، لا أقولُ يتحملُ نارَ الدنيا، بل لا يتحملُ الاقترابَ منها، ولا يصبرُ على ذلك، بل إِنَّهُ لا يَصْبرُ على التعرُّضِ للشمسِ في أيامِ الحَرِّ، فهو يعلمُ أنه إنْ دَخَلَ النَّارَ فَسَيَلْقَى ما قال اللهُ –سبحانهُ وتعالى- في كتابِهِ وما أخبرَ به نبيُّهُ –صلى الله عليه وسلم-، فماذا أحدثَ هذا فِيمَن عَلِمَهُ؟!!
 غالبًا لا شَيء؛ لأنَّ ذلك مَقْصُورٌ على المَعْرِفَةِ العقليةِ، لم يَصِر أَمْرًا وجدانيًّا ينفعلُ به القلبُ وتَتَشَرَّبُهُ الرُّوحُ.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك