تفريغ مقطع : القِصَّةُ الكَامِلَةُ لِمَقْتَلِ الحُسَيْن –رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-

قُتِلَ الحُسَينُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّين، فِي هَذَا اليَومِ قُتِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أُمِّهِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ-، وَذَلِكَ حِينَ وَلِيَ يَزِيدُ بنُ مُعَاوِيَة، وَلَم يَرْضَهُ الحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَلَى المُسْلِمِين.

وَكَانَت تَأْتِي الحُسَينَ الكُتُبُ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ بِأَنَّ السُّنَّةَ أُمِيتَت, وَأَنَّ النِّفَاقَ قَدْ نَجَمَ, وَالحُدُودَ عُطِّلَت، فَاقْدُم عَلَيْنَا لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ لَكَ الأُمَّة وَيُصلِحَهَا بِكَ، وَأَنَّهُم قَدْ جَمَعُوا لَهُ البَيْعَةَ مِنْ نَحْوِ بِضْعَةَ عَشَرَ أَلْفًا؛ بَلْ زَادُوا العَدَدَ حينَ قَدِمَ مُسْلِمُ بنُ عَقِيلٍ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ وَأَظْهَرُوا أَنَّهُم نَاصِرُوهُ، فَأَرْسَلَ مُسْلِمَ بنَ عَقِيلٍ، فَاعَتَرَضَهُ كِبَارُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم- وَأَشْيَاخُهُم؛ وَنَصَحُوهُ, وَحَذَّرُوهُ مِن غَدْرِ أَهْلِ الكُوفَةِ وَخِذْلَانِهِم.

قَالَ ابنُ عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَقَد سَارَ لَيْلَتيْن: «أينَ تُرِيد؟»

قَالَ الحُسينُ -وَمَعَهُ طَوَامِير -أَيْ: كُتُب-: «العِرَاق».

قَالَ: «لَا تَأْتِهِم».

قَالَ: «هَذِهِ كُتُبُهُم وَبَيْعَتُهُم».

قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ نَبِيَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ فَاخْتَارَ الآخِرَة، وَإِنّكُم بَضْعَةٌ مِنْهُ، لَا يَلِيَهَا أَحَدٌ مِنْكُم، وَمَا صَرَفَهَا اللَّهُ عَنْكُم إِلَّا لِلَّذِي هُوَ خَيْرٌ لَكُم، فَارْجِعُوا».

فَأَبَى؛ فَاعْتَنَقَهُ ابْنُ عُمَرَ وَقَالَ: «أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ مِنْ قَتِيلٍ!»

زَادَ الشَّعْبِيُّ وَقَالَ: «إِنَّ أَهْلَ العِرَاقِ قَوْمٌ مَنَاكِير، قَتَلُوا أَبَاكَ, وَضَرَبُوا أَخَاكَ, وَفَعَلُوا وَفَعَلُوا...».

وَبنَحْوِ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ لَهُ ابنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشِ بْنُ الرَّبيعِ وَجَابِرٌ وَأَبْو وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم-.

وَكَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَتَأَوَّلُ إِبْعَادَ الفِتْنَةِ عَنْ مَكَّةَ حَتَّى لا يُرَاقَ بِهَا دَمٌ بِسَبَبِهِ، وَكَانَ يَرْجُو الإصْلَاحَ، ثُمَّ إِنَّهُ نَدِمَ -نَدِمَ الحُسينُ- عَلَى خُرُوجِهِ؛ إِذْ خَانَهُ أَهْلُ العِرَاقِ وَتَخَلَّوا عَنْهُ, وَأَسْلَمُوهُ إِلَى عَدَوِّهِ، فَقُتِلَ مَظْلُومًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.

وَكَانَ قَدْ خَيَّرَ عُبَيْدَ اللَّهِ بنَ زِيَادٍ بثَلاثٍ: أَنْ يَرْجِعَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ, أَوْ يُجَاهِدَ في الثُّغُورِ، أَوْ يَذْهَبَ إِلَى يَزِيدَ, فَلَم يَقْبَلُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَأسِرَ لَهُم، فَأَبَى؛ فَقَتَلُوهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.

قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ-: ((فَإِنَّ يَزِيدَ بنَ مُعَاوِيَةَ وُلِدَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ بنِ عَفَّان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَلَم يُدْرِك النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَا كَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِاتِّفَاقِ العُلَمَاء، وَلَا كَانَ مِنَ المَشْهُورِينَ بِالدِّينِ وَالصَّلَاحِ، وَكانَ مِنْ شُبَّانِ المُسْلِمِينَ، وَلَا كَانَ كَافِرًا وَلَا زِنْدِيقًا، وَتَوَلَّى بَعْدَ أَبِيهِ عَلَى كَرَاهَةٍ مِنْ بَعْضِ المُسْلِمِينَ وَرِضًا مِنْ بَعْضِهِم، وَكَانَ فِيهِ شَجَاعَةٌ وَكَرَمٌ، وَلَم يَكُنْ مُظهِرًا لِلْفَوَاحِشِ كَمَا يَحْكِي عَنْهُ خُصُومُهُ.

وَجَرَت فِي إِمَارَتِهِ أُمُورٌ عَظِيمَةٌ؛ أَحَدُهَا: مَقْتَلُ الحُسَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وَهُوَ لَمْ يَأْمُر يَعْنِي يَزِيدَ- بِقَتْلِ الحُسَيْن، وَلَا أَظْهَرَ الفَرَحَ بِقَتْلِهِ، وَلَا نَكَتَ بِالقَضِيبِ عَلَى ثَنَايَاهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وَلَا حَمَلَ رَأْسَ الحُسَيْنِ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- إِلَى الشَّام؛ لَكِنْ أَمَرَ بِمَنْعِ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-, وَبِدَفْعِهِ عَن الأَمْرِ وَلَوْ كَانَ بِقِتَالِهِ؛ فَزَادَ النُّوابُ عَلَى أَمْرِهِ، وَحَضَّ الشَّمِرُ ذُو الجَوشنِ عَلَى قَتْلِهِ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بنِ زِيَادٍ، فَاعْتَدَى عَليْه عُبَيْدُ اللَّهِ بنُ زِيَادٍ؛ فَطَلَبَ مِنْهُم الحُسَينُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنْ يَذْهَبَ إِلَى يَزِيد -وَلَو أَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَهَابَهُ إِلَى يَزِيدَ لَنْ يَكُونَ فِيهِ إِكْرَامُهُ؛ مَا طَلَبَ أَنْ يَذْهَبَ إليْه-، أَوْ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الثَّغْرِ مُرَابِطًا، أَوْ أَنْ يَعُودَ إِلَى مَكَّةَ، فَمَنَعُوهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- إِلَّا أَنْ يَسْتَأَسِرَ لَهُم، أَمَرَ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ بِقِتَالِهِ، فَقَتَلُوهُ مَظْلُومًا وَكَذَلِكَ قُتِلَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.

كَانَ قَتْلُ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مِنَ المَصَائِبِ العَظِيمَةِ، فِإنَّ قَتْلَ الحُسَيْنِ وَقَتْلَ عُثْمَانَ قَبْلَهُ كَانَا مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الفِتَنِ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ، وَقَتَلَتُهُمَا مِنْ شِرَارِ الخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ.

وَلَمَّا قَدِمَ أَهْلُهُم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم- عَلَى يَزِيدَ بنِ مُعَاوِيَة؛ أَكَرَمَهُم وسَيَّرَهُم إِلَى المَدِينَةِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَعَنَ ابْنَ زِيَادٍ عَلَى قَتْلِ الحُسَيْنِ وَقَالَ: كُنْتُ أَرْضَى مِنْ طَاعَةِ أَهْلِ العِرَاقِ بِدُونِ قَتْلِ الحُسَيْن، لَكِنَّهُ مَعَ هَذَا لَمْ يُظْهَر مِنْهُ إِنْكَارُ قَتْلِهِ, وَالانْتِصَارُ لَهُ, وَالأَخْذُ بِثَأْرِهِ يَعْنِي بِالقَوَدِ- كَمَا هو الوَاجِبُ عَلَيْهِ، فَصَارَ أَهْلُ الحَقِّ يَلُومُونَهُ عَلَى تَرْكِهِ لِلوَاجِبِ مُضَافًا إِلَى أُمُورٍ أُخْرَى، وَأمَّا خُصُومُهُ فَيَزِيدُونَ عَلَيْهِ مِنَ الفِرْيَةِ أَشْيَاء.

وَأَمَّا الأَمْرُ الثَّانِي؛ فَإِنَّ أَهْلَ المَدِينَةِ النَّبويَّةِ فَضُّوا بَيْعَةَ يَزِيدَ, وَأَخْرَجُوا نوَّابَهُ وَأَهْلَهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِم جَيْشًا وَأَمَرَهُ إِذَا لَمْ يُطِيعُوهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ أَنْ يَدْخُلَهَا بِالسَّيْفِ, ويُبِيحَهَا ثَلاثًا، فَصَارَ عَسْكَرُهُ فِي المَدِينَةِ النَّبويَّةِ ثَلَاثًا يَقْتُلُونَ وَيَنْهَبُونَ وَيَفْتَضُّونَ الفُرُوجَ المُحَرَّمَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَ جَيْشًا إِلَى مَكَّةَ المُشَرَّفَةَ؛ فَحَاصَرُوا مَكَّةَ، وَتُوفِيَّ يَزِيدُ وَهُمْ مُحَاصِرُونَ مَكَّة، وَهَذَا مِنَ العُدُوانِ وَالظُّلْمِ الَّذِي فُعِلَ بِأَمْرِهِ)).

قَالَ شَيْخُ الِإسْلَامِ: «وَلِهَذَا كَانَ الَّذِي عَلَيْه مُعْتَقَدُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَئِمَّةِ الأُمَّةِ أَنَّ يَزِيدَ لَا يُسَّبُّ وَلَا يُحَبُّ».

وَأَمَّا الرَّافِضَةُ عَلَيْهِم مِنَ اللَّهِ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ-، فَهَؤلَاءِ الرَّافِضَةُ المُشْرِكُونَ الجَهَلَةَ ابْتَدَعُوا الشَّنَائِعَ المُنْكَرَةَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ حَتَّى جَعَلُوهُ مَأْتَمًا لِلْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَمَوْسِمًا لِلْشِّرْكِ بِرَبِّ العَالَمِينَ وَسَبِّ كِبَارِ الصَّحَابةِ المُكَرَّمِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم أَجْمَعِينَ- فِي مَصَائِبَ عِظَام وَعَظَائِمَ جِسَام -عَافَانَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ-.

فأَمَّا الرَّافِضَةُ فَيَجْعَلُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ مَأْتَمًا؛ يُحْيُونَ فِيهِ ذِكْرَى مَقْتَلِ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-, وَأَمَّا النَّوَاصِبُ فِي المُقَابِلِ؛ فَيَجْعَلُونَهُ عِيدًا, وَأَهْلُ السُّنَّةِ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ, وَإِنَّمَا عَلَى الوَسَطِ وَعَلَى الجَادَّةِ المُسْتَقِيمَةِ؛ لَا يُعَظِّمُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ؛ إِلَّا بِصِيَامِهِ, لَا بِتَوْسِعَةٍ فِي طَعَامٍ وَلَا ثِيَابٍ وَلَا كَلَامٍ وَلَا شَيْءٍ, وَإِنَّمَا يُعَظِّمُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ بِمَا عَظَّمَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ صِايَمُهُ.

نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُوَفِّقَنَا لِطَاعَتِهِ, وَأَنْ يُحْسِنَ لَنَا الخِتَامَ أَجْمَعِينَ, وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ, وَمَنْ تَمَسَّكَ بِسُنَّتِهِ وَاتَّبَعَ هُدَاهُ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

_________________

يَسْتَأسِرُ لَهُم: يُسْلِّم نَفْسَهُ أَسِيرًا لَهُم.

القَوَد: القِصَاص.

وَلَا نَكَتَ بِالقَضِيبِ عَلَى ثَنَايَاهُ: لَمْ يَضْرِب بِالعُودِ أَسْنَانَهُ الَّتِي فِي مُقَدَّمِ الفَمِ.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


تَعَرَّفْ كَيْفَ تُحَوِّلْ حَيَاتَكَ كُلَّهَا إِلَى عِبَادَةٍ للهِ -عَزَّ وَجَلَّ-
رِسَالَةٌ إِلَى كُلِّ أَبٍ وَأُمٍّ
هَلْ يَحِقُّ لَكَ التَّوَاضُعُ أَصْلًا؟!!
ما الذي يريده الإخوان؟ أيريدون إعادة الحاكم الفاشل ؟!
هل فكرت يومًا في رؤية ربك؟
الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة التكفير بلا مُوجِب
كَشْفُ عَقِيدَةِ مَنْ يَسْتَهْدِفُونَ الجَيْشَ وَالشُّرْطَةَ وَالأَقْبَاطَ وَالكَنَائِسَ
حول الصحابي المسيء في صلاته رضي الله عنه
انقسم شباب الأمة اليوم إلى ثلاثة أقسام... على الرغم من أنهم صمام أمانها!!
هَلْ عِنْدَ أَحَدٍ صَكٌّ وَبَرَاءَةٌ أَنْ يَمُوتَ مُسْلِمًا؟!
الرَّدُّ عَلَى شُبْهَةِ الْمَلَاحِدَةِ: أَنَّ الْكَوْنَ أَوْجَدَ نَفْسَهُ- الشَّيْخُ الْعَلَّامَة: مُحَمَّد بْنُ صَالِح الْعُثَيْمِين -رَحِمَهُ اللهُ-
القول السديد في اجتماع الجمعة والعيد
بين يدي الأسماء والصفات
هل تدري معنى أنك ستموت؟!
هام جدا لكل من أراد الحج أو العمرة
  • شارك