تفريغ مقطع : نشيد الأنشاد

((نشيد الأنشاد))

تأملوا في حكمة الحكيم القدير: ((مَن كان بيتُه من زجاجٍ، فَعَليه ألَّا يقذِف الناس بالحجارةِ)).

وانظر؛ انظر يا هداك الله إلى العهدِ القديم، انظر في (نشيد الأنشاد) في (الإصحاح الأول) نشيد الأنشاد الذي لسليمان-: ((لِيُقَبِّلْنِي بِقُبْلاَتِ فَمِهِ، لأَنَّ حُبَّكَ أَطْيَبُ مِنَ الْخَمْر)).

هذا يُقال في المَحاريب!! يُقال في المحاريب تَعبُّدًا لله رب العالمين بزعمهم-!!

وفي (الإصحاح الأول) ذاته:

((ها أنتِ جميلةٌ يا حبيبتي ها أنتِ جميلة، عيناكِ حمامتان، ها أنت جميلٌ يا حبيبي وحلوٌ وسريرُنا أخضر)).

وفي (الإصحاح الثاني): ((كَالسَّوْسَنَةِ بَيْنَ الشَّوْكِ كَذلِكَ حَبِيبَتِي بَيْنَ الْبَنَاتِ،كَالتُّفَّاحِ بَيْنَ شَجَرِ الْوَعْرِ كَذلِكَ حَبِيبِي بَيْنَ الْبَنِينَ نزار قباني-تَحْتَ ظِلِّهِ اشْتَهَيْتُ أَنْ أَجْلِسَ، وَثَمَرَتُهُ حُلْوَةٌ لِحَلْقِي، أَدْخَلَنِي إِلَى بَيْتِ الْخَمْرِ، وَعَلَمُهُ فَوْقِي مَحَبَّةٌ، أَسْنِدُونِي بِأَقْرَاصِ الزَّبِيبِ، أَنْعِشُونِي بِالتُّفَّاحِ، فَإِنِّي مَرِيضَةٌ حُبًّا. شِمَالُهُ تَحْتَ رَأْسِي وَيَمِينُهُ تُعَانِقُنِي، أُحَلِّفُكُنَّ يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ بِالظِّبَاءِ وَبِأَيَائِلِ الْحُقُولِ، أَلاَّ تُيَقِّظْنَ وَلاَ تُنَبِّهْنَ الْحَبِيبَ حَتَّى يَشَاءَ)).

هذا في (العهد القديم) في (نشيد الأنشاد) في الكتاب المقدس!!

وفي (الأصحَاحُ الثَّالِثُ):

((فِي اللَّيْلِ عَلَى فِرَاشِي طَلَبْتُ مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي؛ طَلَبْتُهُ فَمَا وَجَدْتُهُ، إِنِّي أَقُومُ وَأَطُوفُ فِي الْمَدِينَةِ، فِي الأَسْوَاقِ وَفِي الشَّوَارِعِ، أَطْلُبُ مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي.

طَلَبْتُهُ فَمَا وَجَدْتُهُ، فوَجَدَنِي الْحَرَسُ الطَّائِفُ فِي الْمَدِينَةِ، فَقُلْتُ: «أَرَأَيْتُمْ مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي؟» -الحرف بعشرة حسنات!!-، فَمَا جَاوَزْتُهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً حَتَّى وَجَدْتُ مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي، فَأَمْسَكْتُهُ وَلَمْ أُرْخِهِ، حَتَّى أَدْخَلْتُهُ بَيْتَ أُمِّي وَحُجْرَةَ مَنْ حَبِلَتْ بِي، أُحَلِّفُكُنَّ يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ بِالظِّبَاءِ وَبِأَيَائِلِ الْحَقْلِ، أَلاَّ تُيَقِّظْنَ وَلاَ تُنَبِّهْنَ الْحَبِيبَ حَتَّى يَشَاءَ)).

في (الأصحَاحُ الرَّابعُ):

((هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي، هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ! عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ مِنْ تَحْتِ نَقَابِكِ, شَعْرُكِ كَقَطِيعِ مِعْزٍ رَابِضٍ عَلَى جَبَلِ جِلْعَادَ، أَسْنَانُكِ كَقَطِيعِ الْجَزَائِزِ الصَّادِرَةِ مِنَ الْغَسْلِ اللَّوَاتِي كُلُّ وَاحِدَةٍ مُتْئِمٌ، وَلَيْسَ فِيهِنَّ عَقِيمٌ، شَفَتَاكِ كَسِلْكَةٍ مِنَ الْقِرْمِزِ، وَفَمُكِ حُلْوٌ. خَدُّكِ كَفِلْقَةِ رُمَّانَةٍ تَحْتَ نَقَابِكِ)).

مَن كان هذا كتابُه ووحي السماء إلى نبيه بزعمه- يَعدُو على مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم-؟!!

((عُنُقُكِ كَبُرْجٍ مَبْنِيٍّ لِلأَسْلِحَةِ, أَلْفُ مِجَنٍّ عُلِّقَ عَلَيْهِ، كُلُّهَا أَتْرَاسُ الْجَبَابِرَةِ، ثَدْيَاكِ كَخِشْفَتَيْ ظَبْيَةٍ تَوْأَمَيْنِ يَرْعَيَانِ بَيْنَ السَّوْسَنِ، إِلَى أَنْ يَفِيحَ النَّهَارُ وَتَنْهَزِمَ الظِّلاَلُ، أَذْهَبُ إِلَى جَبَلِ الْمُرِّ وَإِلَى تَلِّ اللُّبَانِ. كُلُّكِ جَمِيلٌ يَا حَبِيبَتِي لَيْسَ فِيكِ عَيْبَةٌ)).

-إذا ما قرأتهُ في المحاريب استَوجَبت الغُسلَ-!!

((مَا أَحْسَنَ حُبَّكِ تقول- يَا أُخْتِي الْعَرُوسُ! كَمْ مَحَبَّتُكِ أَطْيَبُ مِنَ الْخَمْرِ! وَكَمْ رَائِحَةُ أَدْهَانِكِ أَطْيَبُ مِنْ كُلِّ الأَطْيَابِ!

شَفَتَاكِ يَا عَرُوسُ تَقْطُرَانِ شَهْدًا، تَحْتَ لِسَانِكِ عَسَلٌ وَلَبَنٌ، وَرَائِحَةُ ثِيَابِكِ كَرَائِحَةِ لُبْنَانَ)).

وأما في (الأصحَاحُ الْخَامِسُ):

((قَدْ دَخَلْتُ جَنَّتِي يَا أُخْتِي الْعَرُوسُ. قَطَفْتُ مُرِّي مَعَ طِيبِي. أَكَلْتُ شَهْدِي مَعَ عَسَلِي. شَرِبْتُ خَمْرِي مَعَ لَبَنِي, كُلُوا أَيُّهَا الأَصْحَابُ. اشْرَبُوا وَاسْكَرُوا أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ تقول- أَنَا نَائِمَةٌ وَقَلْبِي مُسْتَيْقِظٌ. صَوْتُ حَبِيبِي قَارِعًا: «اِفْتَحِي لِي يَا أُخْتِي، يَا حَبِيبَتِي، يَا حَمَامَتِي، يَا كَامِلَتِي! لأَنَّ رَأْسِي امْتَلأَ مِنَ الطَّلِّ، وَقُصَصِي مِنْ نُدَى اللَّيْلِ».

قَدْ خَلَعْتُ ثَوْبِي، فَكَيْفَ أَلْبَسُهُ؟ قَدْ غَسَلْتُ رِجْلَيَّ، فَكَيْفَ أُوَسِّخُهُمَا؟

حَبِيبِي مَدَّ يَدَهُ مِنَ الْكَوَّةِ، فَأَنَّتْ عَلَيْهِ أَحْشَائِي، قُمْتُ لأَفْتَحَ لِحَبِيبِي وَيَدَايَ تَقْطُرَانِ مُرًّا، وَأَصَابِعِي مُرٌّ قَاطِرٌ عَلَى مَقْبَضِ الْقُفْلِ.

فَتَحْتُ لِحَبِيبِي، لكِنَّ حَبِيبِي تَحَوَّلَ وَعَبَرَ، نَفْسِي خَرَجَتْ عِنْدَمَا أَدْبَرَ، طَلَبْتُهُ فَمَا وَجَدْتُهُ، دَعَوْتُهُ فَمَا أَجَابَنِي.

وَجَدَنِي الْحَرَسُ الطَّائِفُ فِي الْمَدِينَةِ، ضَرَبُونِي. جَرَحُونِي، حَفَظَةُ الأَسْوَارِ رَفَعُوا إِزَارِي عَنِّي وَاسَوأَتَاهُ- أُحَلِّفُكُنَّ يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ إِنْ وَجَدْتُنَّ حَبِيبِي أَنْ تُخْبِرْنَهُ بِأَنِّي مَرِيضَةٌ حُبًّا.

حَبِيبِي أَبْيَضُ وَأَحْمَرُ، مُعْلَمٌ بَيْنَ رَبْوَةٍ، رَأْسُهُ ذَهَبٌ إِبْرِيزٌ، قُصَصُهُ مُسْتَرْسِلَةٌ حَالِكَةٌ كَالْغُرَابِ، عَيْنَاهُ كَالْحَمَامِ عَلَى مَجَارِي الْمِيَاهِ، مَغْسُولَتَانِ بِاللَّبَنِ، جَالِسَتَانِ فِي وَقْبَيْهِمَا.

خَدَّاهُ كَخَمِيلَةِ الطِّيبِ وَأَتْلاَمِ رَيَاحِينَ ذَكِيَّةٍ، شَفَتَاهُ سُوْسَنٌ تَقْطُرَانِ مُرًّا مَائِعًا. يَدَاهُ حَلْقَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ مُرَصَّعَتَانِ بِالزَّبَرْجَدِ، بَطْنُهُ عَاجٌ أَبْيَضُ مُغَلَّفٌ بِالْيَاقُوتِ الأَزْرَقِ وَحْيُ السَّمَاء- سَاقَاهُ عَمُودَا رُخَامٍ، مُؤَسَّسَتَانِ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ مِنْ إِبْرِيزٍ، طَلْعَتُهُ كَلُبْنَانَ، فَتًى كَالأَرْزِ، حَلْقُهُ حَلاَوَةٌ وَكُلُّهُ مُشْتَهَيَاتٌ. هذَا حَبِيبِي، وَهذَا خَلِيلِي، يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ)).

في (العهد القديم) في (الأصحاح الخامس)!!

وأما في (الأصحَاحُ السَّابعُ) وحتى لا أجرح حيائك أكتفي به:

((مَا أَجْمَلَ رِجْلَيْكِ بِالنَّعْلَيْنِ يَا بِنْتَ الْكَرِيمِ! دَوَائِرُ فَخْذَيْكِ مِثْلُ الْحَلِيِّ، صَنْعَةِ يَدَيْ صَنَّاعٍ، سُرَّتُكِ كَأْسٌ مُدَوَّرَةٌ، لاَ يُعْوِزُهَا شَرَابٌ مَمْزُوجٌ)).

مَن كان هذا كتابهِ الموحى إلى نبيِّهِ بزعمهِ- يَعْدُو علَى الطُّهرِ الطاهرِ مُحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولكن قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تَستَحِ فَاصنَع ما شئت)).

((بَطْنُكِ صُبْرَةُ حِنْطَةٍ مُسَيَّجَةٌ بِالسَّوْسَنِ، ثَدْيَاكِ كَخَشْفَتَيْنِ تَوْأَمَيْ ظَبْيَةٍ،عُنُقُكِ كَبُرْجٍ مِنْ عَاجٍ، عَيْنَاكِ كَالْبِرَكِ فِي حَشْبُونَ عِنْدَ بَابِ بَثِّ رَبِّيمَ، أَنْفُكِ كَبُرْجِ لُبْنَانَ النَّاظِرِ تُجَاهَ دِمَشْقَ.

مَا أَجْمَلَكِ وَمَا أَحْلاَكِ أَيَّتُهَا الْحَبِيبَةُ بِاللَّذَّاتِ! قَامَتُكِ هذِهِ شَبِيهَةٌ بِالنَّخْلَةِ، وَثَدْيَاكِ بِالْعَنَاقِيدِ.

قُلْتُ: «إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى النَّخْلَةِ وَأُمْسِكُ بِعُذُوقِهَا». وَتَكُونُ ثَدْيَاكِ كَعَنَاقِيدِ الْكَرْمِ، وَرَائِحَةُ أَنْفِكِ كَالتُّفَّاحِ، وَحَنَكُكِ كَأَجْوَدِ الْخَمْرِ.

أَنَا لِحَبِيبِي، وَإِلَيَّ اشْتِيَاقُهُ، تَعَالَ يَا حَبِيبِي لِنَخْرُجْ إِلَى الْحَقْلِ)).

تصور أنك تقوم في جوفِ الليلِ الآخر، وتُقبلُ على اللهِ ربِّك الذي خلقك من عدم, وأعطاك فأغناك من عُدم, وأنشأك فسواك فعدلك في أي صورةٍ ما شاء ركَّبَك، ثم تقف في المحرابِ قائلًا هذا الكلام الذي مرَّ ذِكرُه!!

ثم لا يكفي أنْ يكونَ ذلك ما تتقربُ إلى اللهِ ربِّك ربِّ الأكوان ومُكوِّنِها, إلى اللهِ ربِّ العالمين مُكوِّنُ الأكوان وباريها، لا يكفي أن يكون ذلك كذلك مِن هذا الذِي مرَّ ذِكرُه مما يخدش وجه الحياء، مما لا يُمكنُ أن يأتيَ به الإنسانُ إلا مُضطرًا كآكلِ الميتةِ ضرورةً بقَدَر.

لكي ينتبه المسلمون إلى عظمةِ وجلالِ ما عندهم مما جاءهم به نبيُّهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم-

في الموطن العظيم الذي يصفُ فيه ربنا جلت قدرته- ثورةَ الشوق بثورة الغريزة تُحرِّكُ في القلب جسدَ المرأة بغريزتها حتى تصيرَ شهوةً مُضطرمة، يصف اللهُ رب العالمين- ذلك في أجلِّ لفظٍ وأعفهِ وأشفهِ وأكرمهِ....

لا تجد الحياءَ أبدًا مخدوشًا عند العذارى في خدورهن، وهن يتلون آيات الله ربِّ العالمين-

{وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف: 23].

انظر إلى قَولِ الله رب العالمين-: {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} لا يخدشُ حياءً ولا يمسُّه, وإنما يأتي بالأمر موصوفًا في أجلِّ لفظٍ وأشفِّهِ، فالحمد لله وسبحان مَن هذا كلامه.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك